المرتزقة السوريون يخوضون حروباً خارجية لصالح روسيا وتركيا

المرتزقة السوريون يخوضون حروباً خارجية لصالح روسيا وتركيا

إليزابيث تسوركوف


خلقت الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يقارب عقداً من الزمان، جيلًا كاملاً من الشباب الذين لا يملكون مهارات قابلة للتسويق إلا في القتال.
16 تشرين الأول 2020


أوضح عبد الباسط، أحد المرتزقة السوريين، متحدثاً من أذربيجان "أرسلونا مباشرة إلى الصفوف الأمامية. الوضع فظيع! فظيع! إننا نقاتل يومياً. نحن مكلَّفون بالاقتحام. ليس هناك راحة. هناك العديد من الرجال في عداد المفقودين، ولا يمكننا الوصول إليهم." (حفاظاً على سلامتهم، غيّرتُ أسماء السوريين الأحياء جميعاً في هذا التقرير). ما الذي جعل هذا الثائر السوري السابق، النازح من منزله في الرستن بريف حمص، يتخذ قراراً بالانضمام إلى القتال في بلد أجنبي؟ اضطر والده، الذي لا يزال مقيماً في الرستن، إلى الحصول على قرض كبير، بسبب حالة طارئة في الأسرة، لكن "راتبه لا يكفي [لسداده]. اضطررت للذهاب."، قال، مكرراً العبارة بصوت محمَّل بالسخط.

عبد الباسط يعد واحداً من مئات المقاتلين السوريين، الذين أرسلتهم تركيا، منذ بداية أيلول، لشنّ حرب ضد أرمينيا في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها في أذربيجان. في هذه المنافسة على الهيمنة الإقليمية، أصبح رجال سوريا المنهكون والمفلسون وَقُوداً للمَدافع. في غضون يومين فقط، قُتل أربعة من أصدقاء عبد الباسط من الرستن، بعد وقت قصير من نزولهم في أذربيجان، وقتل اثنان أيضاً بعدهم بأسبوع.

تحولت الحرب السورية، التي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وشردت أكثر من نصف سكان ما قبل الحرب والبالغ عددهم 21 مليون نسمة منذ بدايتها سنةَ 2011، تدريجياً إلى صراع مجمّد. استقرت الصفوف الأمامية منذ آذار 2020، وهي أطول فترة لم تحدث فيها هجمات جديدة منذ اندلاع القتال. إن قدرة أي قوة على التقدم مقيدة بوجود القوات الأجنبية؛ مثل الولايات المتحدة التي (لا تزال) في الشمال الشرقي؛ وسيطرة روسيا وإيران ونظام دمشق على معظم سوريا. فيما تهيمن تركيا على الشمال. تبحث تركيا وروسيا على وجه الخصوص عن ساحات جديدة، تمكّنهم من فرض قوتهم وتعزيز أوجه تفوقهم في خضم منافستهم البينية، نظراً لعدم قدرتهم على تغيير ميزان القوى في سوريا.

ربما ساهم ذلك في خلق متنفس لبعض السوريين، ممّن يقاتلون في سوريا نيابة عن روسيا وتركيا لتنفيذ أعمالهم العدائية ضد السوريين. ورغم أن العديد من الدول قد تدخلت في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، حيث أنشأوا أو دعموا قواتهم المقاتلة بالوكالة في سوريا، لكن روسيا وتركيا فقط بدأتا في تصدير قوتهما كمرتزقة؛ للقتال في النزاعات الخارجية. بدءاً من أواخر ديسمبر ٢٠١٩ تم اختيار المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، والآن إلى أذربيجان كذلك، إلى حد كبير من بين صفوف قوة مقاتلة بالوكالة، أنشأتها تركيا سنة 2016، والمعروفة الآن باسم «الجيش الوطني السوري». استغلت أنقرة هذه القوة لتأمين حدودها الجنوبية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (أو داعش) سنة 2016، مرة أخرى لاحقاً، لشن حرب ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال وشمال شرق سوريا في سنتيّ 2018 -2019. تمكن هذا الجيش من إعادة هندسة التركيبة السكانية للمناطق الحدودية، ما أدى إلى تهجير معظم السكان الكرد واستبدال العرب بهم، الذين نزحهم نظام الأسد من الجنوب.

في هذه الأثناء، استقطبت روسيا المرتزقة الذين أرسلتهم إلى ليبيا من صفوف الميليشيات الموالية للأسد وتشكيلات الجيش السوري، والتي تعمل روسيا وشركتها الأمنية الخاصة، مجموعة فاغنر، منذ سنة 2015 على تجنيدهم. وتتضمن هذه القوات؛ الفيلق الخامس، الفرقة 25 (المعروفة سابقاً باسم قوات النمر) ولواء القدس وما يسمى بصيادي داعش. استخدمت روسيا والأسد هذه القوات في الأصل ضد الثوار السوريين وداعش، ولكن ابتداءً من أوائل سنة 2020، بدأت روسيا بتجنيد رجال من هذه التشكيلات لخوض القتال في ليبيا. بالإضافة إلى ذلك، جنّدت روسيا بعض الأفراد العاملين في الخدمة العسكرية وأفراد الميليشيات في قوات الدفاع الوطني السورية؛ للقتال إلى جانب قوات مجموعة فاغنر في ليبيا، داعمين بذلك قوات الجنرال المتمرد - خليفة حفتر.

عادة، عندما تنتهي الحروب الأهلية تدريجياً، يتم تسريح الجنود ويعودون إلى حياتهم المدنية. بينما في الواقع، العديد من الرجال الذين جندتهم روسيا وتركيا للقتال في الخارج كانوا قد توقفوا بالفعل عن القتال، إما عن طريق تسريحهم نهائياً من الجيش السوري بعد ثماني إلى تسع سنوات من الخدمة، أو عن طريق الانسحاب من الثورة إما بسبب الإصابة أو الشعور بأن الثورة المسلحة قد ضلت طريقها، أو عن طريق المحاولة في العثور على مهنة أقل خطورة. لكن الاقتصاد السوري مدمر للغاية، لدرجة أن الجنود المسرَّحين، الذين لديهم بعض الخبرة والمهارات، في سوق العمل يكافحون للعثور على وظائف مدنية.

ثم هناك أيضاً الرجال الذين لديهم بدائل أقل، حيث إن الحرب التي دامت ما يقارب عقداً من الزمان، قد خلقت جيلاً كاملاً من الشباب الذين لا يملكون مهارات قابلة للتسويق سوى في القتال، وغالباً ما يكون هؤلاء شباناً ممن كانوا لا يزالون في المدرسة عندما بدأ القتال، ثم تعطل تعليمهم بسبب الحرب. في محادثاتي معهم، أصرَّ بعضهم على استخدام الرسائل الصوتية والمكالمات فقط، حيث إنهم كانوا يواجهون صعوبة بالغة في الكتابة حتى في النسخة المبسطة من اللغة العربية المستخدمة في الخطاب.

تظهر المقابلات التي أجريتها مع عشرات الرجال الذين غادروا الى ليبيا للقتال إلى جانب الطرفين المتحاربين، أو الذين تم توزيعهم أو تسجيلهم للانتشار في أذربيجان، أن دافعهم الأساسي للانضمام هو المال. يكسب مقاتلو الجيش الوطني السوري متوسط أجور يبلغ حوالي 500 ليرة تركية في سوريا، تُدفَع بشكل عام كل شهرين، والتي تقدَّر بما يقارب دولاراً واحداً في اليوم. سيغطي هذا الأجر اليومي تكلفة ربطتين ونصف من الخبز في شمال سوريا، وهو مقدار ما تستهلكه الأسرة المتوسطة يومياً. أما في ليبيا، وُعد المقاتلون بأجر شهري أكثر سخاء يبلغ 2000 دولار، لكن في الحقيقة، يتم استنزاف ما يصل إلى 50% من هذا المبلغ من قبل القادة الجشعين الذين يتحكمون في الرواتب. بينما في أذربيجان، لم يتم دفع رواتب المقاتلين الذين تحدثتُ إليهم حتى الآن، حيث تم توزيعهم قبل أقل من شهر، لكنهم حصلوا على وعد بمبلغ يتراوح بين 600 إلى 2500 دولار شهرياً مقابل عقود مدَّتها ثلاثة أشهر؛ مع العلم أن جميع الرواتب أعلى بكثير مما يمكن أن يكسبوه في سوريا.

كان انهيار الليرة السورية عاملاً مساعداً لروسيا وتركيا في تحويل السوريين إلى بنادق للتأجير، هذا الانهيار الناجم عن الانهيار الاقتصادي للبنان، وحظر التجول المرتبط بـوباء كورونا، وظهور الانقسامات العائلية والعشائرية الواضحة في قيادة النظام السوري (الأحداث والخلافات داخل "الأسرة الحاكمة"، مع رامي مخلوف في ٢٠١٩) وفرض عقوبات أمريكية إضافية بموجب قانون قيصر لعام 2019. أدى الانخفاض السريع في قيمة العملة السورية، ابتداءً من تشرين الأول 2019، إلى حين استقرارها في حزيران الماضي فقط، وهو الوقت ذاته الذي فقدت فيه نحو نصف قيمتها، إلى مضاعفة أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك السلع المصنعة والمزروعة محلياً. كان السوريون الفقراء قد ألغوا بالفعل اللحوم والدواجن والفاكهة من وجباتهم الغذائية؛ لكن الآن كان عليهم التخلي عن البيض والخضروات أيضاً، والاعتماد بشكل متزايد على الكربوهيدرات الرخيصة، المتمثلة في الخبز بشكل أساسي؛ ونتيجة لذلك تضاعفت معدلات سوء التغذية بين الأطفال السوريين عام 2020.

قال عامر، ناشط من معرة النعمان، نزح من بلدته عند احتلال النظام السوري لها في شباط ٢٠٢٠، "كنا نوزع الخبز في أحد المخيمات في [محافظة] إدلب، وفوجئت بأنه يأوي زهاء ألف عائلة، معظم أرباب الأسر كنّ نساءً". أخبرني عامر "عندما سألتهن عن مكان أزواجهن أو إخوتهن، قلن لي إنهم ذهبوا إلى ليبيا". "سألتهنّ، 'كيف سمحتن لهم بفعل هذا؟' قلن لي، "سنموت من الجوع أو نبيع شرفنا [نتجه إلى الدعارة] إذا لم يذهبوا". لذلك، بدلاً من أن تبيع الزوجات أجسادهن، باع الرجال أجسادهم.

بعد أشهر من توزيع الخبز، فوجئ عامر عندما علم بمقتل ابن عمه في أذربيجان. محمد الشحنة، مقاتل سابق مع عدد من الجماعات الثورية المحلية، ترك الخدمة العسكرية وعبر إلى تركيا في آب 2019، حيث عمل بضعة أشهر قبل أن يقرر العودة لزيارة عائلته. وأثناء وجوده في إدلب، ألغت السلطات التركية تصريح إقامته، ومنعته من العودة بشكل قانوني إلى تركيا، حيث كانت خطيبته في انتظاره. لقد كان يائساً لكسب المال بطريقة ما، لأنه لم يكن قادراً على تأمين مهر خطيبته أو منزل يمكنهم العيش فيه. حاول عبور الحدود عن طريق التهريب مرة أخرى إلى تركيا، لكنه فشل، فقرر آنذاك الانضمام للقتال في أذربيجان.

قال رستم، قائد محمد الذي ينتمي إلى لواء السلطان مراد، الذي يشكل جزءاً من الجيش السوري الوطني، متحدثاً إليّ من أذربيجان؛ "لقد عاملته كما لو كان أخي، لقد كلفناه بأن يكون سائقاً لنقل المقاتلين من المهجع إلى نقاط التجمع، أي لا يوجد خطر عليه مطلقاً. لقد فعلنا هذا حفاظاً على سلامته، لأنه [الابن] الوحيد لوالديه مع شقيقاته السبع". كان رستم يزور المستشفى الذي كان شقيقه يتلقى العلاج فيه؛ من الإصابات التي لحقت به في القتال، عندما دعا المقاتلون السوريون في الخطوط الأمامية إلى إخلاء طبي آخر." قال القائد متحدثاً عن الشحنة "لم يكن مطلوباً منه الإخلاء، لكنه قرر الرحيل وأصيب برصاصة قناص، واستُشهد" ولم تحصل عائلة الشحنة على أي تعويض. لم يحصل المرتزقة الذين يقاتلون من أجل تركيا في أذربيجان على الجنسية التركية، بعكس عائلات المقاتلين المدعومين من تركيا، الذين ماتوا وهم يقاتلون في سوريا وليبيا.

البعض الآخر كان مدفوعاً بنوع مختلف من اليأس. سمير، الذي انضم للقتال في ليبيا في صفوف الجيش الوطني السوري، كان من أوائل الرجال في حي الشعار -قاطنوه من الطبقة العاملة في حلب- الذين نظموا احتجاجات ضد النظام السوري سنة 2011. وانضم لاحقاً إلى الثورة المسلحة، إلى جانب اثنين من إخوانه. الثلاثة قاتلوا في صفوف الفصائل المختلفة بالمدينة، وأصيبوا عدة مرات، حيث إن شقيقه منصور كاد أن يموت في هجوم بغاز الكلور أواخر سنة 2016. وبعد سقوط المدينة، نزح الرجال إلى محافظة حلب الشمالية، حيث انضموا إلى صفوف الجيش الوطني السوري، لعدم تمكنهم من العثور على وظائف أخرى. وبسبب معاناة عائلته من الجوع، قرر سمير أخيراً التسجيلَ؛ للقتال في ليبيا.". وقال منصور، "هناك، أصبح مدمناً على المخدِّرات".

المخدرات والكحول رخيصة ومتوفرة بسهولة في ليبيا أكثر منها في سوريا. محادثاتي مع المقاتلين في ليبيا تُظهر مدى انتشار تعاطي المخدرات والكحول بينهم، حيث كان بعض المقاتلين يستدعونني في أوقات غير مناسبة وهم في حالة سُكْر واضح. يتم تحويل معظم رواتب المرتزقة السوريين في ليبيا (في كلا جانبي الحرب) مباشرة إلى عائلاتهم في الوطن، لمنع الرجال من الهروب بالنقود في القوارب إلى أوروبا، غير ذلك فإن مقاتلي الجيش الوطني السوري يتلقون مصروف الجيب، ما يساوي قرابة 300 دولار شهرياً، والبعض منهم ينفق الكثير من هذا المصروف على الحفلات. قال منصور "لقد أنفق كل الأموال التي حصل عليها على المخدرات، بعد عودته من ليبيا. والآن، وقع ليذهب إلى أذربيجان، لأنه بحاجة إلى المال".

طَوال سنة 2020، أصبحت عمليات إيفاد المرتزقة هذه، مقبولة تدريجياً كعرف اجتماعي في المجتمعات السورية، واتخذ اقتصاد المرتزقة طابعاً مؤسسياً أكثر. واجهت تركيا صعوبة في إقناع السوريين بالقتال في الخارج في البداية، حيث قاوم مقاتلو الجيش الوطني السوري أوامر قادتهم السوريين بالإيفاد إلى ليبيا واضطروا إلى إجبارهم على ذلك، تحت تهديد الطرد من صفوف المقاتلين. وذلك لأن القتال في سوريا، لصالح تركيا، يمكن تبريره بطريقة ما؛ على أنه يخدم مصالح الثورة، بينما القتال في ليبيا لا يوجد له أي مبرر. على الرغم من ذلك، ومع مرور الزمن، تغيرت مواقف المقاتلين عندما تلقوا الرواتب الموعودة والمجزية أكثر. لقد رأوا المزيد من أصدقائهم يسافرون إلى الخارج وأصبحوا معتادين تدريجياً على الفكرة، وحتى إنهم كانوا متحمسين في بعض الأحيان. في الوقت الحاضر، يحتاج المقاتلون المرتزقة إما إلى ارتباط شخصي (الواسطة) أو إلى خفض أجورهم المستقبلية؛ حتى يتم قبولهم من قبل المسؤولين عن التجنيد ونقلهم إلى الخارج، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري أو في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في سوريا.

كشف تجنيد المقاتلين للاستيلاء على ناغورنو كاراباخ اليأس الاقتصادي للعديد من السوريين - واستعداد الآخرين لاستغلاله. ظهر قطاع صناعي من المجندين والعملاء؛ بالإضافة إلى المسؤولين عن التجنيد الرئيسيين -قادة ثلاثة فصائل مدعومة من تركيا، فهيم عيسى (قائد كتيبة السلطان مراد)، سيف أبو بكر (من فرقة حمزة)، محمد جاسم، والمعروف أيضاً باسم أبو عمشة (من كتيبة السلطان سليمان شاه). حيث نشأت شبكة واسعة من المنتفعين بين شركاء هؤلاء القادة.

أنشأ هؤلاء الوسطاءُ مكاتبَ تقليدية في عفرين، شماليَّ سوريا، ابتداءً من أوائل آب، لتسجيل المجندين في أذربيجان. كما قاموا بإنشاء مجموعات على تطبيق المراسلة الشهير WhatsApp للغرض ذاته، وأعلنوا عن عروضهم في مجموعات WhatsApp الأخرى التي يستخدمها أعضاء الجيش الوطني السوري. يقوم بعض الوسطاء بتسجيل الرجال مقابل الحصول على عمولة على دخلهم المستقبلي، ثم يحولونهم إلى أقرب المسؤولين عن التجنيد من قادة الفصائل الثلاث، الذين يقتطعون بدورهم أيضاً من دخلهم المستقبلي. تعمل حملة التجنيد الآن على نطاق واسع، حيث تم بالفعل إرسال ما لا يقل عن ألف مقاتل، وتم تجنيد عدة آلاف آخرين، بحسب مجنَّد يعمل مع فصيل لواء السلطان سليمان شاه المدعوم من تركيا ومقاتل السلطان مراد الموجود بالفعل في أذربيجان. حتى إن مسؤولي التجنيد باتوا يقبلون مدنيين ليس لديهم خبرة قتالية أيضاً.

في البداية، أُخبِر المجنَّدون من قبل المسؤولين عن تجنيد المقاتلين المحتملين بأنهم، ببساطة، سيحرسون المنشآت النفطية، ولكن بمجرد أن انخرطت أذربيجان في أعمال عدائية مع القوات الأرمنية، ألقي السوريون في خط المواجهة، وبعد مقتل العشرات منهم في غضون أيام قليلة، تغيرت طريقة التجنيد. يدعي بعض العملاء أنهم يضمنون إرسال المجندين إلى مناطق أكثر أماناً مؤخراً؛ وهذا غير صحيح، لأنه ليس باستطاعة السوريين معرفة أي الجبهات ستبقى ساكنة وأيها ستشتعل. يزعم مسؤولون آخرون عن التجنيد أن الوضع في الجبهة قد استقر، وأن القتال أصبح أقل خطورة. (يبدو هذا الادعاء مضلّلاً أيضاً، لأن مسؤولي التجنيد، الذين تم الاتصال بهم خلال الأسبوع الماضي، يرفضون تسجيل المقاتلين السابقين من ذوي الإصابات، بحجة أن القتال يتطلب صحة جيدة).

قد تبدو هذه الأكاذيب غير مجدية؛ حيث إن عدداً كافياً من الرجال قد سمعوا شفهياً من الأصدقاء والأقارب الذين تم إرسالهم بالفعل إلى أذربيجان، عن مدى شدة القتال وعن الساعات التي يستغرقها إجلاء الجرحى، تاركين البعض ينزف في الجبهة. من المحتمل أن مثل هذه الأكاذيب هي ما يحتاج السوريون لسماعها، حتى يقنعوا أنفسهم بالقتال، وربما الموت في مكان بعيد. بغض النظر عن ذلك، يشعر الكثير من السوريين أنهم مجبرون على المغادرة.

يكشف التجنيد إلى أذربيجان وليبيا عن البراغماتية اليائسة للسوريين، الذين أجبروا على المعيشة في بلد دمرته الحرب - حرب لا تلوح نهايتها في أي مكان، والتي ستحددها قوى خارجية ساعدت في تدمير البلد على أي حال. الدولتان اللتان تدخلتا بشكل حاسم في سوريا لتعزيز مصالحهما، تركيا وروسيا، وكذلك تلك التي وقفت مكتوفة الأيدي بينما سوريا تغرق في الدماء، لا تعطيان أي قيمة تقريباً لحياة السوريين، لكنهما تنظران إليهم كبيادق في لعبة الشطرنج الجيوسياسية الخاصة بهما. الثوار السوريون السابقون وأفراد الميليشيات والمدنيون العاديون يعكفون ببساطة على الدور الذي خصص لهم؛ كبيادق، لذا فإن رفض قبول هذا المنطق يعني أنهم وعائلاتهم سيعانون الجوع.

هذا التغيير في المواقف قد حدث فيما بين المجتمعات المنقسمة بشدة نتيجة للحرب الأهلية السورية. أوضح حسين، وهو ناشط علوي في طرطوس؛ كيف على مدار هذا العام، تغيرت وجهات النظر في هذا المجتمع الذي دعم بشكل عام النظام السوري، حيث غادر صديقه الذي يعدّ من قدامى المقاتلين في الجيش السوري، للقتال إلى جانب مجموعة فاغنر في ليبيا. قال "في البداية، كان هناك الكثير من الانتقادات لأولئك الذين يذهبون، بسبب مبدأ معارضة القتال في الخارج لتعزيز مصالح دولة أجنبية لكن الآن يعتبر الناس ذاك الشخص على أنه يعتني بأسرته لأنه لم يتبقَّ شيء هنا".

لقراءة المادة الأصلية، عبر الرابط التالي: https://0i.is/dYu2