ما هي الفيدرالية
تعريفها الإجرائي:
صيغة للحكم التشاركي في المجتمعات المتنوعة اثنيا ودينيا، تتعاهد بإرادتها الحرة، مجموعة الأقاليم المنضوية في إطار دولة موحدة، وتتفق على تقاسم السطلة بين الحكومات المحلية والحكومة الفيدرالية، مع بقاء السياسية الخارجية للدولة بيد السلطات الفيدرالية، دون أن يعني ذلك عدم مساهمة الحكومات المحلية في صياغة السياسة الخارجية.
تاريخ الفيدرالية:
تتوفر عدة بدايات لتحديد ظهور الفيدرالية كشكل من أشكال الحكم التوافقي. لكنها إحالات تخلط بين الاتفاق الكونفدرالي الذي كان موجودا بين المدن ـ الدول Polis الإغريقية. أو ما كان متوفرا بين المقاطعات السويسرية قبل إعلانها الدستوري لسنة 1848. إذ كانت تلك التحالفات تنظيما لشكل من أشكال الحكم الأوليغارشي ( حكم القلة) في إطار تنظيم كونفدرالي، يسعى لتنظيم العلاقات بين مقاطعات متمايزة و شبه مستقلة عن بعضها سياسيا وقانونيا. لذلك يمكن تحديد سنة 1787 كبداية رسمية لتبني شكل النظام الفيدارلي من قبل المقاطعات لأمريكية الثلاثة عشر. فالحدود التي أفرزتها اتفاقية وستفاليا في أوربا سنة 1648، أفرزت 300 مقاطعة إدارية منسجمة مع التصور الإقطاعي للأراضي المملوكة بـ " وضع اليد". و العلاقة بينها لم تكن تنظيما لدولة موحدة ذات نظام فيدرالي، بل كانت أشبه بطونفيدراليات فضفاضة.
علما أن أشكال شبيهة بالنظام الفيدرالي كانت معتمدة في الحضارة اليونانية القديمة "مجلس الامفكتيويين-عصبة الايخائية- اتحاد آخاين 281-146ق.م" وكذلك شهدت الحضارة الرومانية و غيرها من الحضارات تحالفات من هذا القبيل.
و قد اعتبر البعض أن المفكر الالماني "جوهانس الثوسيوس 1557-1638" هو الأب المؤسس لمفهوم الفدرالية و التي روج لها في كتابه " السياسة" فيما يعزى هذا الفضل حديثا الى المفكر" كي سي ويير" من خلال كتابه بعنوان "الحكومة الفدرالية عام 1964".
الأسباب الأساسية لتبني الفيدرالية:
تختلف الأسباب المنتجة لظهور شكل الحكم الفيدرالية من تجربة إلى أخرى. فبعض الدول تتبنى الفيدرالية لتعديل مساراتها السياسية. كما حدث في ألمانيا 1945 حيث تحولت من نظام حكم مركزي رئاسي، إلى نظام فيدرالي و برلماني. أو لضرورات اقتصادية كتجربة دول أوربا الشرقية بعد انهيار الأنظمة الشيوعية. بل وحتى لضرورات هوياتية باختيار أسماء محايدة عرقيا، كتجربة يوغسلافيا في عام 1939، وكذلك ما فعله الملك الروماني كارول 1938 بفرض إعادة تقسيم البلاد إلى عشرة أقاليم جديدة للقضاء على التجمعات العرقية و الطائفية. وقد تحولت الحاجة إلى النمو الاقتصادي في نيجيريا / إلى زيادة عدد الوالايات التي رغبت في الإلتحاق بالاتحاد الفيدرالي وأن تتحالف فيما بينها ضمن فيدرالية سياسية اقتصادية بدأت بـ 12 ولاية سنة 1967و وصلت إلى 29 ولاية سنة 1983. وقد شهدت العديد من الدول على اثرها مراحل تطور و رقي و ازدهار و تجانس بين شعوبها حتى بات ينظر للفدرالية على انها نظام محاسن و وفقا لاقرب احصائية فقد بلغ عدد الدول التي تتبنى النظم الفدرالية على نطاق العالم 28 دولة يشكل عدد سكانها 40% من عدد سكان الارض من بينها ثماني دول مصنفة من بين اكبر عشر دول مساحة في العالم "جورج اندرسون – منتدى الدراسات الفدرالية ص1".
الجغرافية والنظام الفيدرالي:
ثمة مغالطة حول الفيدرالية يُروج له فقط في العالم العربي . والتي تقول بأن الترابط الجغرافي بين الأقاليم شرط لقيام فيدرالية. و هذا خطأ جوهري. و يمكن البرهنة بداية في المنطقة العربية عبر العلاقة بين الإمارات و سلطنة عمان. إذ لدى هذه الأخيرة مدينة في عمق الأراضي الإمارتية " مدينة الدمحاء" و بالمقابل لدى الإمارات مدينة أخرى تقع في قلب اراضي السلطنة منذ رسم الحدود بينهما بإشراف بريطاني سنة 1971.
ويأتي النموذج الأمريكي أكثر وضوحا في عدم وجود شرط ترابي في مفهوم الجغرافية السياسية للنظام الفيدرالي. فأكبر الولايات الأمريكية "ألاسكا" تقع خارج أمريكا، و تفصلها عن أمريكا دولة كندا. وقد كانت ألاسكا جزءا من روسيا القيصرية، اشترتها أمريكا سنة 1768 بمبلغ قدره 7,200 مليون دولار. و لم تصبح بشكل رسمي ولاية أمريكية إلا في عام 1959. بينما تقدم فرنسا مفهوما آخر للأقاليم التي تنتمي لها في صيغة فيدرالية، و توجد في قارات أخرى. و تصفها بـ "الأقاليم الفرنسية ما خلف البحار". لذلك يعبر النظام الفيدرالي بالدرجة الأولى عن الإرادة الحرة للدخول في نظام سياسي مشترك. لذلك تعتبر الفيدرالية من وجهة نظر الجغرافية السياسية، أمثل السبل لإنتاج لُحمة وطنية في مجتمعات منقسمة و متباينة إثنيا و دينيا.
توزيع الإختصاصات في النظام الفيدرالي:
و تنتهج الدول الفدرالية عموماً لتوزيع سلطاتها منهج اللامركزية السياسية وهو نظام سياسي مرتبط بوضع دستوري و يختلف بمفهومه عن المركزية الادراية بنمطيها "المركزية الادراية و اللامركزية الادارية"بوصفها انماط ادارية تمارس الدول المركزية من خلالها وظائفها.
و للفدرالية أشكال متعددة وهي مصنفة اما تبعاً لطريقة تشكيلها او لقواعد توزيع الاختصاصات ضمنها او لمسبباتها و مثار تطبيقها انظمة الحكم المختلفة ملكية كانت ام جمهورية, رئاسية كانت او شبه الرئاسية او برلمانية او كانت قائمة على نظام مجلسي و سواء في الدول الغنية او الفقيرة,الكبيرة او الصغيرة و حتى في الدول ذات الاقاليم المنفصلة جغرافياً.
و تتجسد مظاهر الدولة الفدرالية في مظهرين الاول تنحصر اختصاصاتها للحكومة الفيدرالية من خلال التمثيل السياسي للدولة دوليا و دبلوماسيا و اعلان حالات الحرب و السلم و حق ابرام المعاهدات. و داخليا في الاشراف على القوات المسلحة و غير ذلك من امور سيادية و قد ينص الدستور الفدرالي على استثناءات محددة بهذا الخصوص و الثاني مظهر داخلي تحتفظ بموجبه الكيانات بدستورها الخاص و حكوماتها المحلية و بقوانينها الخاصة واداراتها الذاتية.
و تتألف الدولة الفدرالية من وحدتين سياسيتين: حكومة المركز الفيدرالي و حكومة الأقاليم.لكل منهما اختصاصات مشتركة و حصرية.وإلى جانب البرلمان الفيدرالي توجد البرلمانات الإقليمية التي لها صلاحية سن قوانين مختلفة عن قوانين المركز و بما لا يتعارض مع دستور البلاد و الاختصاصات الحصرية للحكومة المركزية.
تتولى هيئة قضائية فدرالية عليا مستقلة مركزها عاصمة الدولة مسؤولية الرقابة و حل مختلف النزاعات الدستورية في الدولة و تسمو في شأنها على كل اعتبار و يتم تعيين قضاتها بشكل يضمن النزاهة و الشفافية و الحياد و موافقة مجلس الوحدات.
و تتولى السلطة التشريعية في الدولة الفدرالية عموما هيئة نيابية مؤلفة عادة من مجلسين ينتخب الاول من قبل شعب الدولة بأكمله و يمثله و من مجلس اخر هو "مجلس الوحدات السياسية" تتمثل فيه وحدات الدولة وعلى قدم المساواة و بغض النظر عن تعدادها السكاني او مساحتها .
عيوب متوقعة:
أكثر عيوب النظام الفيدرالي إمكانا هو عدم الأخذ في الحسبان العلاقة بين التنوع الثقافي و الوطنية المفترضة في النظام الفدرالي، و عم تحصين الفيدرالية من هيمنة الأغلبية الاثنية أو الدينية في دولة ما، على السلطة، و عبر الإنتخابات، نظرا للزيادة الديموغرافية لفئة ما. حيث سيؤدي ذلك إلى ما كان يصفه أليكسي دي توكفيل بـ " طغيان الأغلبية" و الذي يُعد أسوء أشكال الإستبداد. لذلك طورت العلوم السياسية مفهوم حق النقض و مفهوم الديموقراطية التوافقية، التي توفر لحكومة الأقاليم الطعن في القوانين التي تأتي في الضد من مصلحة الأقاليم.