مَن يحتل سوريا...؟
مركز آسو للدراسات
جميع الحقوق محفوظة
2022
لوران ابراهيم
مَن يَحتل سوريا…؟
خرج مصير سوريا من يد السوريين في اللحظة التي كاد فيها أن يسقط نظام البعث السوري سنة 2015. حينما تدخلت روسيا بأكثر من 350 نوعا من الأسلحة الروسية التي كان جزءا كبيرا منها لم يعرف بعد فعاليته القتالية في المعارك الحقيقية. وقد اعترف وزير الدفاع الروسي بأن الحرب السورية وفرت لهم مختبرا لتجريب أسلحتهم، ومنصة مكشوفة عبر الإعلام العالمي لتسويقها.i
وفي السنة ذاتها سقط تنظيم داعش على يد القوات الكردية في مدينة كوباني المحاذية للحدود التركية مع سوريا. وتدخل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب إلى جانب القوات الكردية، واضعا قواعده العسكرية في شرق الفرات.تاركا لدولةٍ مثل تركيا المتهمة بمتزويد تنظيم داعش بالسلاح في سوريا، وبالتعاقد مع قيادات الصف الأول في تنظيمي داعش و القاعدة.ii وتوريتها لحركة القيادات الإرهابية في التنظيم وانتقالهم من داعش إلى الفصائل السورية التابعة لتركيا، داخل تنظيم أحرار الشرقية ولواء السلطان مراد وغيرها من التنظيمات الجهادية التي تديرها تركيا.iii
وبالتالي، بدأت مناطق النفوذ تتوزع في سوريا بحدود واضحة بين القوى الإقليمية كتركيا وأيران، والقوى العظمى ممثلة بروسيا و أمريكا. ولاحقا، تعززت هذه الحدود بالاتفاقات المستقلة عن بيان جنيف رقم (2118) لسنة 2013 وقرار مجلس الأمن 2425 سنة iv2015. والتي كانت تنص على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع مكونات الشعب السوري، وتحرص على إنهاء النزاع في سوريا، وتضمن تحولا ديموقراطيا في السلطة. غير أن هذا القرار ولد ميتا، حيث أسست تركيا بأموال قطرية وأوربية، حكومة مؤقتة في اسطنبول سنة 2013، حكومة تُأتمر بأوامر المخابرات التركية ويهيمن عليها الإخوان المسلمين. ثم شاركت الدول التي كثفت من حضورها العسكري ـ بالوكالة طبعا. ايران عبر أذرعتها العراقية و اللبنانية. وتركيا عبر الفصائل الجهادية السورية التي قامت شركة سادات SADAT للإستشارات العسكرية بتنظيمهم فيما يعرف بالجيش الوطني السوري v. لاحقا، وبالتعاون مع روسيا، في محادثات أستانا 2017، أذعنت تركيا للمقترح الروسي الذي كانت هذه الأخيرة قد عرضته مسبقا في مجلس الأمن 2016، أي القرار2336.
و القاضي بوقف الأعمال القتالية في سوريا، وإحياء المحاثات بين النظام السوري وبين المجموعات المسلحة التابعة لتركيا، من أجل تهيئة الظروف لتطبيق مقررات جنيف بشأن سوريا.
وهكذا، هدأت الجبهات القتالية، واطمأنت القوى العسكرية إلى الحدود المؤقتة لتقاسم مناطق النفوذ. المنطقة الروسية المرتبطة بقاعدة حميميم العسكرية في محافظة اللاذقية والممتدة إلى جميع المناطق التي يتواجد فيها نظام البعث، وذلك عبر الإشراف العسكري على قطاعات الجيش السوري. ناهيك عن تشابك مناطق النفوذ العسكري الروسي الايراني، في النقاط التي تتوزع فيها القواعد العسكرية للميلشيات الإيرانية التي تستهدفها الغارات الإسرائيلية في المجال الجوي السوري الخاضع للهيمنة الروسية. وبالتالي تضيئ روسيا لإسرائيلي النقاط الإيرانية التي ترغب في تدميرها بسلاحٍ غير سلاحها.
أما المناطق التي تحتلها تركيا، وربطتها بشكل شبه رسمي ـ على أقل تقدير إداريا وماليا وتعليميا ـ بالدولة التركية، وفوضت الحكومة السورية المؤقتة التابعة لتركيا، وللتنظيمات الجهادية الخاضعة لها، عملية الإشراف على النهب المنظم، وتدمير الثروات الطبيعية، والإبادة الثقافية، في المدن الكردية التي استلمتها هذه الجماعات، وعاثت فيها فسادا لم تجاريها حتى داعش. فإنها عمليا تحت هيمنة العلم التركي الذي يظهر أينما وجهت نظرك.
بينما تتمتع محافظة إدلب بوضع خاص، حيث يسيطر عليها تنظيم القاعدة بفرعه السوري جبهة النصرة. والمحاطة بنقاط الحراسة التركية، تجنبا لأي صدام محتمل بين الجيش التابع لنظام البعث، و بين جبهة النصرة المنسجمة مع الميول التركية في المنطقة.
في حين حافظت أمريكا بجنودها الـ 900، على استقرارٍ هش في شرق الفرات، حيث تحكم الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديموقراطية، التي تتهمها تركيا بأنها تشكل امتدادا ايديولوجيا وتنظيما لحزب العمال الكردستاني. بينما تنفي الإدارة ارتباطها بهذا الحزب، لكن دائما بعبارات متناقضة. وتشكل صور زعيم هذا الحزب المنتشرة أينما توجهت ايضا، ذريعة كافية لتركيا لارتكاب ابشع الجرائم بحق السكان المدنيين، باسم محاربتها لحزب العمال.
ضمن هذه الفوضى تجري المحادثات السياسية السوري بأكثر الأشكال الهزلية الممكنة. فروسيا حسمت أمرها بخصوص اعتبار سوريا محض محمية روسية منطقية لتاريخهما المشترك، منذ فترة الاتحاد السوفيتي إلى اليوم الذي تدخلت فيه روسيا بسلاحها وأنقذت نظام بشار الأسد من إنهيار وشيك.
وتركيا، التي تدخلت في قبرص سنة 1974، احتلتها وألحقتها بمجال نفوذها العرقي. وتستثمر ذلك في كل نقطة يوجد فيها المكون التركماني. وتجربة كركوك في العراق وتحكمها المطلق بالجبهة التركمانية التي يسافر زعيمها المتطرف أرشد الصالحي، عبر أنقرة إلى بغداد للمشاركة في أي حدث سياسي عراقي. بينما بات ملف إلحاق تركيا للواء اسكندرون السوري، بمثابة القضية المغلقة بالنسبة لها. ومع مشروعها في تتريك شمال سوريا، وإحداث التغيير الديموغرافي بإنتزاع السكان الأصليين من الكرد السوريين من أراضيهم، وإحلال المستوطنين العرب والتركمان محلهم، وتربية الجيل الدراسي الجديد في هذه المناطق باللغة التركية ومناهج التربية العرقية التركية. لن يكون ذلك مجرد احتلال، بل وأيضا محو هوية جماعات أهلية في حالة احتراب داخلي، وبالتالي في أكثر حالاتهم ضعفا وحاجة، من أجل صهرهم في مشروع التتريك المنسجم مع فكرة الحدود العثمانية التي يطالب بها أردوغان عبر ما يسمى بالميثاق الملي.
أيران بدورها لا تخرج من مكان احتلته. وعلى غرار تركيا، تستغل الميول الطائفية وتجندها في صيغة ميلشيات تابعة لها. كحركة الحوثين اليمنية، وحزب الله اللبناني. وقد اشترت ايران تقريبا كل العقارات المهمة في منطقة السيدة زينب بريف دمشق. ناهيك عن قواعدها التي كان قاسم سليمان قبل اغتياله 2020، يتنقل بينها كتحركه بين القطاعات العسكرية للحرس الثوري في أيران.
في المقابل، ومنذ أن رفع أوباما شعاره" لا أحذية على الأرض" وعمل على تقليص عدد الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط وأفغانستان. ثم تبِعه في ذلك خليفته دونالد ترامب الذي قال بأنهم ليسوا شرطة العالم. ومنح تركيا ترخيصا مجانيا باحتلال مدينتي رأس العين وتل أبيض في سوريا سنة 2019. وقلص عدد قواته في سوريا إلى ما يقارب الـ 900 جندي فقط. ثم أكمل جو بايدن المهمة وانسحب من افغانستان التي استلمتها حركة طالبان بتجهيز عسكري قارب الـ 800 مليار دولار. وما أن قامت تركيا بقصف القواعد العسكرية لقوات قسد في محيط محافظة الحسكة بمدينة الشدادي ( 28/11/2022) حتى سارع البنتاغون إلى الإعلان عن تقليص عدد دورياتهم المشتركة مع قوات سوريا الديموقراطية. علما أن البنتاغون قد استدرك خطأه الفاحش، وأعلن يوم 7 ديسمبر 2022 عن زيادة دورياته المشتركة مع قوات قسد، لمنع عودة داعش عبر البوابة التركية.
وبما أن تنظيم داعش يستفيد من كل ضربة عسكرية تركية لمناطق الإدارة الذاتية، و لا يفتأ يُنظم بشكل أكثر فعالية خلاياه النائمة. يبقى بقاء قوات الحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة أمريكا في شرق الفرات، مقترنة بهذه الظرفية غير الثابتة، ناهيك عن تأجيل الحسم السياسي لعملية الانتقال السياسي للسلطة في سوريا إلى أجلٍ غير مسمى. طالما أن الفاعل الأساسي روسيا منشغل بحربها الأكبر في أوكرانيا.
لذلك سيبقى الوضع في شمال شرق سوريا متوترا بين الموقف الأمريكي المتخاذل من حليفه الأساس في الحرب على الإرهاب، اي قوات سوريا الديموقراطية، و بين حليفها الآخر في الناتو، الذي بات يُعرف في الساسية الدولية بالحليف المبتز، الذي يمكنه أن يمنح روسيا أوراقا يبتز بها حلفاؤه في الناتو. وليس قضية انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو آخر الملفات.
كانت سوريا قبل 2011 محتلة داخليا من قبل نظام البعث الاستبدادي. انبثقت بعد طول انتظار، تلك الرغبة العامة في التحرر والعيش بكرامة. غير أن السوريين فشلوا في أن يبقوا سوريين. فتفكك البلد، ولم تعد له حُرمة سيادية. والأنكى هو دخول مجموعات المرتزقة تحت مسمى الجيش الوطني السوري، لتكون اليد القذرة للمحتل التركي في قتل سوريين آخرين. الأمر الذي فاقم حدة الشرخ الهوياتي، وعطّل كل ما يمكنه أن يشتغل لإنتاج لُحمة وطنية في بلد مدمر الأرض والروح.
المراجع
السلاح الروسي في سوريا، بين التجربة و الابتكار. موقع Defence 21 على الرابط التالي :
https://www.defence21.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B1
تقرير لمجلة لو بونت الفرنسية حول قيام تركيا بتجنيد العناصر الإرهابية لأجندتها الخاصة في سوريا على الرابط التالي
https://www.lepoint.fr/monde/ces-djihadistes-au-service-des-turcs-25-10-2019-2343449_24.php?fbclid=IwAR0Xefp0ch1yNjCCjg96L71_xyTdnJg9u-Kw9xBKXmqnq9GJIADfPC39WnA
تقرير لمجلة دير شبيغل الألمانية حول قيام تركيا بنقل الجهاديين من مدينة عفرين الكردية في سوريا للقتال في جبهتي ليبيا و أرمينيا. على الرابط التالي :
https://www.spiegel.de/ausland/syrische-soeldner-in-bergkarabach-ich-kann-euch-gleich-hier-erschiessen-a-00000000-0002-0001-0000-000173743589?fbclid=IwAR3ZxsDkpcEfMTLqBPATujjoS9wJDORPXqFeyf9xkG-yd1RAN31b4OUe0zQ
القرار الأممي بشأن سوريا 2245. مركز آسو للدراسات. على لاربط التالي :
https://asostudies.com/node/211
أذرع الدولة التركية العميقة : الجيش الوطني السوري و الذئاب الرمادية. على الرابط التالي
https://asostudies.com/node/216