الحكومة العراقية الراهنة وشبح عودة النظام الرئاسي
مركز آسو للدراسات
جميع الحقوق محفوظة
2022
كارزان كاوسينi
أختبارات حاسمة تنتظر الحكومة العراقية الجديدة على المدى القريب. وذلك لأنها تمخضت من نزاعات أُرجئ حلها وحسب. فبالرغم من أن الحزب الذي يتزعمه رئيس الحكومة محمد السوداني، حزب حديث ( تأسس 2021) ولديه فقط ثلاثة مقاعد برلمانية، إلا أن ترأسه لهذه الحكومة جاء كحصيلة لنزاع سياسي كاد أن يصل بالأطراف السياسية إلى حافة النزاع المسلح. كونه ظل المرشح الوحيد الذي أصر عليه تحالف الإطار التنسيقي للقوى الشيعية الموالية لأيران. وبالتالي باتت مهامه أكثر تعقيدا، لتوسطه عمليا بين قطبين سياسيين متعارضين، وليس باستطاعته أن يواجه أيِّ منهما. علما أن الغلبة السياسية في البرلمان العراقي، تميل كفتها لصالح القوى العراقية الموالية لأيران. وايران بدورها تعزز عبر تلك القوى أجندتها الخاصة في العراق.
في المقابل، يستطيع مقتدى الصدر أن يحرك بسرعة مدهشة، حشود كبيرة من الجماهير العراقية الناقمة. ويمكنه بسهولة أن يستقطب مختلف الشرائح إلى أهدافه السياسية التي يبدو أن العراقيين يجمعون عليها، وهي عبارة : الاستقلالية السياسية لرئيس الوزراء العراقي.
سبق السوداني رئيسا وزراء أبديا قدرا معولا من الاستقالية السياسية خلال فترة حكمهما. اي عادل عبد المهدي و مصطفى الكاظمي، غير أنه سرعان ما انقلبت عليهما الأغلبية النيابية وكرست مواقف مناهضة لهما. حتى أن الكاظمي قد تعرض لمحاولة اغتيال في منزله ( نوفمبر 2021) عبر طيارات مسيرة. كما أدى العجز في القيام بالإجراءات الإصلاحية من قبل عبد المهدي، إلى خروج أكبر المظاهرات ضد حكمه.
ثمة شبه اتفاق بين المحللين السياسيين أن فكرة المحاصصة السياسية قد عطلت فاعلية البرلمان العراقي في مراقبة تنفيذ القانون، و ستبقى تعطله، طالما أن الكتل النيابية لا تخرج عن الأطر الضيقة لمصالح أحزابها العقائدية. ومن جهة أخرى، فإن القوانين التي يسنها المجلس التشريعي، تظهر وكأنها لا تستجيب لمطالب و آمال الناس في الإصلاح السياسي. وبالتالي سيكون موقف الحكومة العراقية من هذه القوانين منحصرا بأمرين :
ـ قد تعجز الحكومة العراقية على تطبيق القوانين التي تقرها.
ـ أو قد تسُنّ القوانين المكرسة لمصالح الأغلبية النيابية فقط.
الإشكالية الأخرى أمام هذه الحكومة، هي أن السلطات في العراق غير منفصلة عن بعضها البعض بشكل واضح. و لا يوجد بين الرئاسات الثلاثة آلية تنسيق ضرورية لقيام كلِّ منها بمهامها على النحو الصائب. الأمر الذي يزيد في إدامة الخلافات بينها.
يقترح أحيانا بعض المحللين السياسيين والخبراء القانونيين أيضا، فكرة العودة إلى النظام الرئاسي للخروج بالعراق من نفق النزاع السياسي المعقد. وذلك رغم معرفتهم جميعا بالتجربة السوداء للشعب العراقي مع دكتاتورية النظام الرئاسي طيلة فترة حكم صدام حسين. فما الجديد في هذا المقترح.؟ هو باختصار تعديل النظام الانتخابي لاختيار السلطة التنفيذية مباشرة من قبل الناس ليكون انتخابه تمثيلا لاحتيارهم الحر و المباشر. وهذه فكرة مستحيلة في ضوء ملفات الفساد المتفشية حتى في العملية الانتخابية. لكنه يأتي كمقترح يقابل الواقع الحالي، حيث يتم انتخاب رئيس الحكومة من قبل الكتل النيابية التي تتحكم بها أقلية متسلطة خارج البرلمان.
أخذاً بنتائج الانتخابات النيابية السابقة، يمكن للناس مباشرة أن تختار رئيسا للوزراء إذا ما كان النظام الانتخابي يتيح لهم ذلك. سيمنح ذلك فرصة أيضا للقوى السياسية المعارضة أن تساهم بأصوات ناخبيها في اختيار من ترتأيه متوافقا مع تطلعاتها السياسية. تعزى هذه الرغبة إلى الملفات المتراكمة بشكلٍ صلب في بنية السلطة العراقية : أي الفساد الإداري، وطبيعة المسارات السياسية، وعدم اكتراثها بالمطالب الشعبية في الإصلاح. وهي الملفات ذاتها التي تسببت في الفشل المتتالي لجميع الحكومات العراقية السابقة.
وبالتالي، إن أتيحت للناس الفرصة في الانتخاب المباشر لرئيسي الوزراء و الجمهورية دون المرور بالفلترة النيابية، قد يكون ذلك أفضل فيما لو تُرك الأمر للكتل الحزبية النيابية، و التي تتحالف يما بينها ـ كما هو واقع الحال راهنا ـ و تفرض على الناس مرشحا لا ترغب فيه.
تكمن المفارقة في أن معظم الأصوات المنادية بالعودة إلى النظام الرئاسي، تخرج من بين القيادات الشيعية في الإطار التنسيقي، كنوري المالكي، الذي يعتقد بأن إصلاح السلطة في العراق يتطلب الانتقال إلى النظام الرئاسي أو نصف الرئاسي كبديل عن النظام البرلماني.
يتوجس كل من الكرد والعرب السنة من فرضية القيام بتعديلات دستورية تناقض المادة الأولى من الدستور العراقي الذي أقرّ في سنة 2005، أي مبدأ نظام الحكم الجمهوري النيابي الديموقراطي. لأن النظام الرئاسي إن حدث في العراق، سيفضي إلى تركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية، و سيكون من الصعوبة بمكان أن يتدخل حينذاك البرلمان في السلطة، كهيئة مراقبة وقادرة على محاسبة السلطة التنفيذية التي تقوم بالتجاوزات وتستخدم السلطة بشكل مجحف. الأمر الذي سينهي دور البرلمان كممثل للشعب ويضعه تحت يد رئيس الجمهورية.
إلى جانب ما تقدم، ثمة تصور آخر، يقول بأنه نظرا لتاريخ العراق، فإن أي نظام سياسي في العراق سينتهي به المطاف إلى التسلط وإلى أزمة الحكم ذاتها، و لن يتغير أي شيء في ملف الفساد. لأن جذر المشكلة يكمن في الإرث السياسي العراقي القائم على التسلط و إقصاء الخصوم. وبالتالي، سواء أكان رئيس الوزراء منتخبا من قبل الكتل البرلمانية، وبيده صلاحيات سلطوية كاملة ـ كما حدث مع فترة حكم نوري المالكي ـ. أم تمّ انتخابه مباشرة من قبل الناس، فإنه سيسعى إلى تركيز معظم السلطات في يده. ولن يكون بمقدوره أن ينأى بنفسه عن التأثيرات الثقيلة لمصالح القوى الداخلية والإقليمية.
إن محاولات الانقلاب والاغتيال داخل السلطة العراقية منذ نشأت الدولة العراقية 1921، يشكل شاهدا على عجز الحكومات العراقية المتعاقبة على أن تواجه لوحدها الأزمات المركبة للبلد، أو المضي بالأوضاع السياسية إلى حالٍ أفضل. وفي المحصلة، بقاء نفس الظروف سيفضي حتما إلى إنتاج حكومات مشلولة.