كيف تلاعبت تركيا بالمعارضة السورية..؟
لوران ابراهيم
مهّد وزير الخارجية التركي جاووش أوغلوا إمكانية عودة العلاقات التركية مع نظام بشار الأسد، في المؤتمر الصحفي الذي أجراه في اكتوبر 2021 خلال مؤتمر دول عدم الانحياز. لذلك، لم يأتي تصريح أردوغان مفاجئا في مقابلته التلفزيونية( 27/11/2022) لتوضيح مجريات اجتماعه مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في قطر 2022. و قوله بأنه لا توجد خصومة دائمة في السياسية، وأن ما حدث مع مصر يمكن حدوثه أيضا مع النظام السوري ممثلا برئيس النظام بشار الأسد.
يأتي هذا التصريح في خضم التهديدات التركية الدائمة باجتياح الأراضي السورية في المناطق التي تتواجد فيها قوات قسد. وعلى وقع القصف الجوي التركي للبنى التحتية القليلة المتبقية في المناطق الكردية بسوريا. هذه العملية المزمعة والتي تعارضها كل من روسيا وأمريكا المنشغلتان بالحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية.
عمليا لا يوجد اختلاف كبير بين موقفي روسيا وتركيا من المخرج البديل لهذه الأزمة المفتعلة من قبل تركيا. فجزء من العملية العسكرية قد تم تنفيذها جويا بالمسيرات والطائرات الـ F16. غير أن المخاوف تكمن في العملية البرية التي تلجأ فيها تركيا عاددةً إلى استخدام الفصائل الجهادية السورية ـ سيئة الصيت ـ الخاضعة لها. مثلما جرى في عملياتها العسكرية السابقة في كل من عفرين 2018 ورأس العين 2019. حيث اعتمدت تركيا على أكثر المجموعات الجهادية تطرفا لإرهاب الناس في المدن الكردية التي احتلتها تركيا على الشريط الحدودي. كفصيل أحرار الشرقية الذي اتهمته لجنة التحقيق الأممية 2020، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الكرد، وكذلك الأمر بخصوص تنظيم العمشات في عفرين وغيرها.
ويتمثل المقترح الروسي الذي لن ترفضه تركيا، في تسليم الشريط الحدودي كاملا لقوات النظام السوري بدل من احتلالها من قبل تركيا لإخراج قوات سوريا الديموقراطية منها. في المقابل يطلب نظام البعث السوري من تركيا أن لا تحتل أراض ٍ جديدة، وأن تقوم بتفكيك ما تسميه بـ " المجموعات الإرهابية"، أي تلك الفصائل المنضوية تحت إدارة هيئة الأركان في الحكومة السورية المؤقتة باسطنبول. وذلك لأجل التنسيق مع تركيا وإعادة إحياء فقرة أساسية في اتفاقية أضنة 1998، والمتمثلة في الحق المتبادل بملاحقة المجموعات التي يصنفها كلا البلدين كمجموعات إرهابية. وبالتالي العمل معا على ضرب تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وأيضا تدرج نظام الأسد في استعادة السيطرة على المناطق التي تحتلها تركيا عبر فصائل الحكومة المؤقتة.
بناءا على ما تقدم، يبدو جليا دور المعارضة السورية المنضوية في هيئة الائتلاف السوري. في مباركة كل الأوامر التي تمليها عليها تركيا، بما في ذلك احتلال الأراضي السورية وتتريكها رسميا باللغة التركية والعملة النقدية التركية، وإداريا عبر إلحاق المدن السورية المحتلة بالولايات التركية الحدودية.
لقد وَفر الائتلاف السوري لتركيا الكثير من الأوراق للعبها في المقتلة السورية. فعندما يُقتل الجنود في الحروب التي تديرها تركيا، لا تخسر بذلك شيئا، وبالتالي لا يشكل خسارة العناصر القتالية البشرية في صفوف قواتها، ضغطا داخليا على جماهير الحزب الحاكم، طالما أن الذين يتم قتلهم في الجبهات الحربية الخارجية، هم جماعات المرتزقة الذين خذلتهم تركيا حتى في الأموال التي وعدتهم بها. ناهيك عن تمويل هذه الحروب من الخزينة القطرية بالدرجة الأولى.
واليوم، بما أن المصالح التركية الروسية تستدعي سحب الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية عبر التعاون مع قوات التحالف الدولي، و إعادة مد نفوذ السلطة السورية ظاهرا، و الروسية الايرانية واقعا، على الأراضي السورية المتبقية، بما فيها تلك التي تحتلها تركيا وتنظيم جبهة النصرة بقيادة أميرها أبو محمد الجولاني في إدلب. تفقد ورقة الأئتلاف السوري المعارض أهميتها بالنسبة إلى تركيا. ومن السهولة بمكان أن ترمي تركيا مكاتب الائتلاف السوري على الحدود الأوربية. وبل حتى أن تحرقها إن ساهم ذلك في تدمير تجربة الإدارة الذاتية. كما فعلت بعد يومين من اجتماع اردوغان مع الرئيس المصري، بإزالة كل تماثيل إشارة الأصابع الأربعة لليد، المرتبطة بدعمه لحركة الإخوان المسلمين المصرية وميدان رابعة. وكذلك إقفال المكاتب الإعلامية و أيقاف بث القنوات التابعة لهذه الحركة في تركيا.
فلاش باك المعارضة السورية
باغتت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام البعث السوري سنة 2011 ، معارضو النظام قبل غيرهم. فلم تكن هناك هيئات سياسية جاهزة لتسنم المظاهرات وتنظيمها أيديولوجيا. وهكذا، طغت العفوية على أشكال التكاتف الشعبي بين مختلف المجموعات الأهلية السورية، و التي كانت وما زالت تفتقر أساسا لأي شكل من أشكال العمل السياسي المشترك، نظرا لتصفية نظام البعث لجميع أشكال المعارضة العلنية والسرية.
كانت البداية تغلبها فقط الرغبة العارمة و الشاملة في التحرر من النظام الدكتاتوري السوري. فمثلت الشعارات في معظمها، الآمال العامة لكل المكونات السورية بالحياة الكريمة والحرة. غير أن المكونات السورية عاشت على مدار نصف قرن في عزلة داخلية، وكانت تجهل بعضها البعض. ولم تكن التقنية حينذاك جاهزة لتزويد الناس بمصادر معلومات مختلفة عن الإعلام الرسمي للدولة. لذلك انعكست هذه العزلة السياسية الداخلية على المواقف السياسية المتباينة من شكل الحكم في الدولة السورية ما بعد إسقاط نظام البعث.
احتدمت هذه النقاشات أكثر بعد أن حظيت المعارضات السورية بمجلس وطني يجمعها في بوتقة واحدة. فتأسس المجلس الوطني السوري سنة 2011 إلى جانب المجلس الوطني الكردي الذي عمل على إعادة هيكلة نفسه في كيان يشمل معظم الأحزاب الكردية. وسرعان ما ظهرت الحاجة إلى هيئة أكبر من المجلس الوطني، ليكون ممثلا شرعيا للشعب السوري بمختلف شرائحه الإثنية و المذهبية. وتأسس الإئتلاف السوري لقوى المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة سنة 2012. وسرعان ما حظي الإئتلاف بالاعتراف من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، التي أثرت بدورها على موقف الجامعة العربية التي اعترفت بالأئتلاف كممثل شرعي للشعب السوري، وعلقت عضوية الدولة السورية ممثلة بنظام البعث. وفي نهاية سنة 2012، قامت دول " أصدقاء سوريا" في مؤتمرها بمراكش، بالاعترف بالإئتلاف. وهو ما فعلته أيضا كل من الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوربية وحلف الناتو. بمعنى أن الاعتراف الدولي بالإئتلاف قارب حافة التعامل معه كدولة سورية رديفة. وتدفقت الأموال والسلاح على هذه المعارضة.
ثم برز الدور التركي أكثر، حينما تمّ الإعلان عن تأسيس حكومة مؤقتة انتقالية في اسطنبول سنة 2013. تزعمها بداية عبد الرحمن مصطفى من المجلس التركماني الموالي لأنقرة.
وأطل تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة سنة 2014، عبر آليات ظلت حتى اللحظة غامضة. تمدد تنظيم الدولة ودخلت مدينة كوباني سنة 2015. نشرت جريدة جمهوريت التركية فيديو يوثق فيه قيام جهاز المخابرات التركية بتزويد تنظيم داعش بالسلاح الثقيل من أجل ضرب القوات الكردية. فتمت محاكمة رئيس تحريرها الذي لجأ إلى ألمانيا بعد الإفراج عنه.
ثم فشل المشروع الأمريكي البريطاني الأردني والتركي ايضا، في إعادة تنظيم المجوعات القتالية السورية ضمن جيش من المعتدلين. لكن، بعد شهور قليلة، وكما قال بريت ماغورك المبعوث الأمريكي حينذاك، بأن تلك المجوعات التي قاموا بتدريبها قد تركت العمل معهم وانصهرت في تنظيمي القاعدة وداعش. لكن بعد القضاء على داعش، ظهر خليفة البغدادي في المناطق التي تسيطر عليها تركيا والفصائل السورية التابعة لهيئة أركان الحكومة المؤقتة. ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان،وثائق القيادات التي كانت فاعلة في تنظيم داعش، وانتقالها إلى الجماعات المرتزقة التي أعادت تركيا تنظيمهم. وكان ذلك يحدث دائما تحت مسمى دعم المعارضة السورية
استقبلت تركيا الملايين من اللاجئين السوريين. وقبضت مقابل ذلك المليارات من الدولارات ، من الاتحاد الأوربي و دول الخليج بذريعة تكاليف الاستقبال. في تركيا، يدفع الاتحاد الأوربي تكاليف الطبابة للاجئين السوريين. ويمتاز العامل السوري بحرفية عالية في المهن و الصناعات المختلفة. وبالتالي انتقلت أعداد هائلة من العمالة الرخيصة وغير المشمولة بضمانات العمل، إلى الشركات و المعامل التركية التي ضاعفت انتاجها على ظهر هولاء العمال. كما فرضت تركيا على المجموعات الجهادية السورية أن تقاتل بالوكالة عنها في الجبهات التي تحددها سواء داخل سوريا ضد قوات سوريا الديموقراطية، أو خارج سوريا في كل من ليبيا و أرمينيا.
قد يختفي مشروع المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا، إن تمكن روسيا من فرض هيمنتها على بقية الأراضي السورية، مع استخدام بعض كتائب المشاة وهجانة الحدود السورية لتزيين وصايتها على سوريا ببعض الأعلام فاقدة القوة. فبعد توسيع روسيا لقاعدة حميميم في اللاذقية، اكتمل عمل الوصايا الروسية على سوريا، ومنافستها فيها هي ايران، التي لا تكلّف منافستها روسيا شيئا سوى البقاء صامتة على الغارات الإسرائيلية ضد القواعد الايرانية و ميلشياتها في سوريا.