انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو
غلاف المقال من الواشنطن تايم مع التصرف
لوران ابراهيم
خلافا لتصريح الرئيس الروسي حول عدم وجود نزاع حدودي بينه وبين الدولتين اللتين ستنضمان إلى حلف الناتو، يوجد صراع طويل يتجاوز القرنين بين الدول الاسكندنافية و روسيا، سواء في بحر البلطيق، المجال البحري الذي تطل عليه روسيا عبر اقليم منفصل جغرافيا عنها، أي كالينغراد الواقع في الزاوية بين ليتوانيا و بولندا. أو في مجال المحيط المتجمد الشمالي، حيث توجد قاعدة صواريخ بالستية روسية في مواجهة كل من النرويج وفنلندا و السويد.
لذلك، استدرك بوتين قبوله بهذا الانضمام، عبر اضافة تهديد تقليدي بأنه سيضاعف قواعده العسكرية و منصات الصواريخ الدفاعية على طول الحدود الجديدة للناتو مع روسيا، خصوصا على الحدود الفنلندية العصية بحكم طبيعتها الترابية، على القيام بعمليات عسكرية تقليدية. وكذلك الأمر في منطقة المحيط المتجمد الشمالي. حيث ستكون الحرب في حال ما حدثت، مختلفة جذريا عن الاستراتيجية المكشوفة التي يعتمدها الجيش الروسي، والتي لم تتغير عن التقاليد المتوارثة في مؤسسة العسكر السوفيتي ـ الروسي، القائم على سياسة الأرض المحروقة، وانتهاك جميع القوانين و الأعراف الدولية المتعلقة بقوانين الحرب. فالتفوق التقني على مستوى التسليح ما دون النووي يميل بفوارق كبيرة لصالح دول حلف الناتو. وقد ضاعفت أمريكا عدد قواتها في أوربا من عشرين ألف إلى 100 ألف جندي، وأرسلت المزيد من الطائرات الخارقة الـ أف 35. وغيرها من البوارج والصواريخ الهجومية. ناهيك عن المناورات العسكرية الخاصة لحلف الناتو على الأراضي النرويجية والتي استمرت لمدة شهرين.
في المقابل مالت تركيا إلى مصلحتها الخاصة في العلاقة مع حلف الناتو. علما أن الاتفاقية الموقعة بين الأطراف الثلاثة( السويد، فنلندا، تركيا) لم تتضمن تفاصيل غير معروفة. وتمحورت بمجملها حول علاقة الدول الاسكندنافية مع الـ PKK، و منظمة فتح الله غولن. بالاضافة إلى إزالة حظر السلاح الذي فرضته هذه الدول على تركيا، كشكل من أشكال الاحتجاج على العمليات العسكرية التركية ضد القوى الكردية في سوريا 2019.
غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، فالنظام السياسي في الدول الإسكندنافية هو من بين النظم الديموقراطية الأكثر تمأسسا في العالم، و اتفاقها مع نظام استبدادي كالنظام التركي، لن يمر عبر آليات غير ديموقراطية. أو هكذا يُفترض.
لذلك لم يتأخر وزير العدل السويدي في التصريح بأن القضاء السويدي هو سلطة مستقلة بالمطلق، و لا يمكن التأثير بأدوات غير قانونية على قرارات القضاء في هاتين الدولتين. ناهيك عن استحالة تسليم مواطنين سويديين، مهمها كانت اصولهم الإثنية، إلى دولة أخرى. لذلك سيتم التضيق على عمل المنظمات و المؤسسات التابعة للحزب الكردي في هذه الدول، و سيتوقف الدعم المباشر لللإدارة الذاتية، و ستتعقد أكثر حركة تحويل الأموال، هذا إن لم تتوقف على المدى القصير.
في الواقع، جاء هذا الاتفاق منسجما مع التوقعات البديهية في السياسة الدولية. فالدول تتنازع في بينها دبلوماسيا لتستحصل على أكبر قدر ممكن من المنافع من بعضها البعض. ولأن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تفتقر إلى الخبرة السياسية، و ليس لديها كيان سياسي واضح ولا معترف به. لذلك، لم تهيئ نفسها لهذه التعقيدات المتعلقة بصراع القوى الكبرى في الإقليم الشرق أوسطي.
كان الأجدر ـ وهذا كلام متأخر ودون جدوى الآن ـ بالقوى الكردية التي توقف انضمام السويد وفنلندا على علاقة هذه الدولة بها، أن تكون دبلوماسية في علاقتها مع ذاتها كتنظيم سياسي، وفي علاقتها مع القوى الكردية الأخرى، حتى قبل علاقتها مع عدوها التركي و علاقتها بالدول الغربية التي كانت تدعمها. باختصار كان عليها أن تكون حركة سياسية وليس أيديولوجية متحجرة. ولو أنها فعلت ذلك، لتغير المشهد إلى حدٍ كبير عما هو عليه حال المنطقة اليوم.
بالتعارض مع جوهر دولة القانون السويدية، سلمت هذه الأخيرة مطلوبا كرديا لتركيا في الثالث من ديسمبر الجاري. محمود تات الذي لجأ إلى السويد سنة 2015. عاد إلى تركيا التي استلمته الشرطة في المطار، وفي غضون اسبوع حكمت عليه بالسجن. غير أن محمود ليس مواطنا سويديا، وطلبه باللجوء لم تتم الموافقة عليه. بينما لم تخضع بعد فنلندا للإبتزاز التركي.
المشكلة في ما تقدم، أنه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، قد تضطر الدولتان الاسكندنافيتان إلى تعليق العمل بقوانينها، وتتصرف كأنها في حالة حرب، و بالتالي تنتهك قيمها الديموقراطية، وتضحي ببعض القرابين كالكرد مثلا، لأجل الانضمام إلى الناتو والحصول على حماية نووية وعسكرية في مواجهة التهديد الروسي الذي لن يختفي مجددا من المخيلة الأوربية.
ضمن هذه الظروف، ستكون المناورة السياسية مطلوبة من الأطراف الكردية التي بات وجودها متمفصلا في الاتفاقات الابتزازية التي عقدتها تركيا مع كل من السويد وفنلندا. غير أن الطرف الكردي لا يجيد اللعبة السياسية، و يفضل أن يجيش الناس في مظاهرات إبتهالية لزعيمها الأوحد، عوضا عن التفكير بضرب تركيا دبلوماسيا و إعلاميا وقانونيا في ذرائعها.
يمكن للكرد في ملف الانضمام أن يكونوا مؤثرين على المجريات، وذلم بالرغم من أنهم لا يستطيعون الدخول في الاتفاق كطرف موقع. يكفي أن تغلب السياسية على العقيدة الحزبية حتى يبدأ الفعل الدبلوماسي بمواجهة تركيا بالأدوات القانونية وعبر المؤسسات الأمريكية و الأوربية المؤيدة للحقوق الكردية، والمناهضة لتركيا التي أعاد أردوغان تشكيلها كدولة مناقضة للغرب.