التظاهرات الايرانية و آفاق التغيير
كارزان كاوسين*
فور اندلاع المظاهرات الشعبية في أيران، سارعت السلطات الإيرانية إلى قمعها بأساليب دموية. حيث أفادت التقارير الاعلامية و الحقوقية، بلجوء السلطة إلى سجن المتظاهرين عرفيا وارتكاب شتى أنواع التعذيب بحقهم. خصوصا في المدن الكردية.
علما أن الشرارة الأولى للمظاهرات كانت قد انطلقت من المدن الكردية، إثر مقتل مهسا أميني على يد ما يعرف بـ شرطة الأخلاق في السادس عشر من سبتمبر المنصرم. غير أن وتيرة المظاهرات تصاعدت وعمّت البلد بأكمله.
كانت مطالب المتظاهرين واضحة. تمركزت في البداية حول حقوقهم الثقافية و احترام الدولة لحقوق الإنسان. غير أن المرشد الأعلى علي خامنئي اعتبرهم مجرد مخربين، و بأن أيادٍ خارجية تحرضهم على التظاهر.
يتمثل العائق الأبرز أمام مطالب الإصلاح و التغيير في التيار المحافظ المتحكم بالسلطة في ايران منذ عقود. كونهم يقفون بالضد أمام كل محاولة إصلاحية ويقمعون جميع الأصوات الليبرالية المطالبة بتغيير النظام السياسي في ايران.
أدى التدخل الإيراني الأخير في الحرب الأوكرانية، عبر تزويدها لروسيا بالدرونات ، إلى تغيير نظرة الغرب في رغبة ايران بالعودة إلى طاولة المفاوضات الخاصة بالملف النووي. وقد كشف الرئيس الأمريكي عن حزمة عقوبات طالت الشركات و الكيانات الإيرانية المتورطة في تزويد بوتين بالدرونات التي يحتاجها لغزوه أوكرانيا. وذلك إلى جانب إدانة الإدارة الأمريكية لأساليب القمع العنيفة التي تتبعها السلطة الإيرانية ضد المتظاهرين.
ويبدو أن إيران قد عادت إلى تخصيب اليورانيوم، مبدية في الوقت نفسه، رغبتها في استئناف المفاوضات النووية مع الدول الغربية.
تستخدم إيران لقمع الاحتجاجات، جميع الأساليب و الأدوات القمعية، ضمنها إطلاق الرصاص المطاطي من مسافات قصيرة، الأمر الذي يتسبب بتشويه وجه المتظاهرين، وأساليب التعذيب المفرط، وحتى الإعدام. حيث وذع قيد التنفيذ قانون يؤدي إلى إعدام المتظاهرين، و قد تمّ بالفعل إعدام إثنين منهم حتى اللحظة.
يواجه النظام الإيراني عقوبات عالمية متزايدة نتيجة انخراطها مع روسيا في حربها ضد اوكرانيا، وكذلك بسبب القمع الهمجي للمتظاهرين السلميين في البلاد. وقد عانت البلاد من الأثر الحارق للأزمة الاقتصادية المترتبة على هذه العقوبات. الأمر الذي ساهم بقوة في دفع الشعب الإيراني إلى التظاهر بمجمله.
يبدو جليا أن السلطة الإيرانية تسير في الطريق الخطأ. لأن المظاهرات لا تقتصر على فئة معينة دون غيرها، بل تشمل جميع الطبقات، في مقدمتها الشخصيات الثقافية و السياسية الداعمة لهذه الانتفاضة الشعبية، والتي تجد أنه من العسير الاستمرار في هكذا شكل من الحكم دون القيام بإصلاحات جذرية لبنية السلطة في إيران.
وقد أبدى الرئيس السابق و أحد الشخصيات السياسية البارزة في إيران، محمد خاتمي دعمه للمظاهرات. علما أنه ما زال ممنوعا من الظهور في الإعلام إثر مساندته للثورة الخضراء 2009 التي جاءت بعد إعادة انتخاب محمد أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية.
لجأت الدولة الإيرانية تاريخياً إلى حلول مؤقتة لمشاكلها المزمنة. وقد كان الاعتقاد السائد لفترة طويلة، أن المظاهرات التي تحدث مرارا في إيران، تأتي كنتيجة تدخل، سواء خارجي من قبل بعض الدول، أو بسبب بعض قوى المعارضة بالداخل أو في الخارج. وقد كانت أساليب السلطة الإيرانية في مواجهة ذلك متمحورة في أمرين: 1ـ إغتيال الأشخاص الذين تعتبرهم تهديدا للنظام. 2ـ اللجوء إلى الدعاية بوجود هجوم عراقي مزعوم للسيطرة على حدودها.
قد تخمد الاحتجاجات في إيران لفترة من الزمن، ولكن لا يبدو أن هناك نهاية تلوح في الأفق. وفي كل مرة تقوم المظاهرات فإنها تُستأنف على نحو أقوى. لذلك ليست هناك خيارات كثيرة أمام السلطة الإيرانية. فإما تستجيب لمطالب المتظاهرين وتقوم بإصلاح تدريجي في جميع مناحي الحياة. وهذا أمر يصعب تصوره في ظل بقاء النهبة السياسية الحالية في سدة الحكم.
وإما تستجيب لمطالب الدول الغربية المشاركة في المفاوضات النووية، و بالتالي تلبي ما ينتظر منها المجتمع الدولي، لتقوم هذه الدول بتخفيف العقوبات تدريجيا حتى إزالتها. وبالتالي إحداث إنعاش اقتصادي وانفراجة سياسية. بيد أن السلطة الإيرانية تتهرب أيضا من هذا الخيار، لمعرفتها أنه سيساهم ببطء في إنهاء تحكم المحافظين بالسلطة في إيران.
* باحث وأستاذ جامعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1 -https://www.washingtonpost.com/world/2022/12/01/iran-kidnapping-assassination-plots
2 - https://www.voanews.com/a/iran-increases-troops-near-kurdistan-region-threatening-ground-operation- /6776421.html