إيران...الإسلام السياسي والجندرة

إيران...الإسلام السياسي والجندرة
العمل الفني للفنانة الإيرانية شيرين نشأت

كورال نوري


عكفت شخصيات بارزة في الإسلام السياسي بكردستان العراق، على تعميم تصورات منحرفة حول الجندرة، والتقليل من احترام الناشطات في هذا المجال، واتهامهن بشتى أنواع التهم. متذرعين بدعاية الدفاع عن الدين والأخلاق. بالإضافة إلى ابتداعهم لتحليلات عجيبة حول الجندرة، و ربطها بمفاهيم لا صلة بينها. دون أي حرج من مغالطاتهم الفاضحة غير المبنية على أي شيء في العلوم والمعرفة. وهكذا، أصبحت الجندرة وفقا لإرادة الإسلام السياسي مرادفة للمثلية الجنسية.
تسعى شخصيات الإسلام السياسي، عبر الاستعانة بتعاريف مبتسرة مأخوذة من بعض الدعاة العرب، إلى توظيف هذا المفهوم لخدمة الأجندة الإيرانية والأنظمة المشابهة لها. ضاربين بعرض الحائط سلامة الأسرة في المجتمع الكردي غير المستقر أساسا. وبالتالي خلق المزيد من عوامل الفوضى والانقسام الاجتماعي، غير آبهين سوى بمنفعتهم وبمصلحة الأجندة التي يخدمونها.
حَذَا بعض الناس البسطاء خلف هذه الفوضى. وهو أمر طبيعي في ضوء ما يحدث بكردستان العراق. لكن، أن يقوم أشخاص من الوسط الإعلامي والصحفي، ضمنها شخصيات عامة، بتمرير نفس تلك الأفكار المضللة، دون أي سندٍ معرفي أو علمي. فذلك أسوء من خطاب الدُعاة الدينيين. يحدث ذلك دون أن يسألوا أنفسهم لماذا يروج الإسلام السياسي لهذه المغالطات في هذه الفترة الحرجة بالذات.؟ لقد وقعوا جميعهم في هذه البركة الآسنة من التضليل، وأصبحوا على حين غرة، محللين ومفسرين. حقيقة الأمر أجهل السبب وراء هذا الارتماء شبه الجماعي خلف ثلة من الدعاة. أهو بسبب البطالة. أو كما يقول المثل الكردي: الحرب أفضل من عدم القيام بشيء. أم لاستقطاب المزيد من الإعجابات المَرضية على موقع التواصل الاجتماعي. أم أنهم جزء من تلك الأجندة.؟
تجاوز التهجم الجائر لممثلي الإسلام السياسي حدود التضليل، ووصل حد الافتراء. برمي الاتهامات على عواهنها ضد سيدات بارزات ومختصات في مجال الفكر الجندري، كحملتهم ضد الأستاذة في الجامعة الأمريكية بالسليمانية ݘومان هردي. للمفارقة أنهم يقومون بذلك دون خجل أو رادع ديني. فالافتراء في الأعراف الكردية من الموبقات الاجتماعية التي يدينها الناس في المجتمع الكردي. وكذلك الأمر في الإسلام الذي ينهي عن رمي النساء بالافتراءات ويعتبر ذلك من الفواحش.
وبالرغم من أنني لا أستسيغ عبارات التحدي، لكن أتحدى كل تيار الإسلام السياسي أن يتقدموا لنا ببينة علمية واحدة، تعقد العلاقة بين مفهومي الجندرة والمثلية. و أتحداهم أيضا أن يتقدموا بكلمة واحدة ظهرت في خطابات أية ناشطة أو متحدثة نسوية حول المثلية والجندرة. تفضلوا ضعوا أدلتكم على الطاولة. واخبرونا في أية ندوة أو فعالية مدنية تحدثت الناشطات عن المثلية. المشكلة أن جميع ممثلي تيار الإسلام السياسي لا يفقهون شيئا في هذا الاختصاص و يكررون أقوال بعضهم البعض. غير أنهم على عادتهم باقون في التهجم بكلامٍ بذيء وعنيف، والتشهير بخصومهم دون رادع من نص القرآن الذي يُنهي عن هذه الأخلاق. فبأي دينٍ تُدينون.؟

شاركتُ منذ نهاية التسعينات وإلى اليوم في معظم الدورات التدريبية حول الجندرة والعدالة الاجتماعية في كردستان العراق وخارجه. وأصبحت مُدربة فاعلة في هذا المجال. ولم أسمع يوما، لا من المحاضرات الكرديات ولا حتى من المحاضرات الغربيات، أية عبارة عن الجندرة كمرادفة للمثلية. يجب على ضميركم ـ دعاة الإسلام السياسي ـ أن يجب عن هذا الافتراء الذي تعممونه في خطاباتكم.
لم ينتهي السجال بشأن الجندرة في أوساط الاسىلام السياسي الكردية، حتى ظهر قرار رئيس الاتحاد الوطني بافيل طالباني بإغلاق النوادي الليلية، لتكتمل سياسة الإلهاء الواضحة في إدارة إقليم كردستان. أعقب هذا القرار لغطٌ واسع دون طرح السؤال البسيط المتعلق بملكية تلك النوادي. فمن كان يمتلكها أساسا. ولماذا لم يقم مدعيو العمل الصحفي والاعلامي بطرح الأسئلة الجوهرية المتعلقة بهذا الموضوع. فمن كان يرتاد تلك النوادي، ومن كان يديرها ويحرسها، ومن رخّص لها، وأية جهة كانت تجني ضرائبها، وأين ذهبت أموالها. ومن أتى بفتيات الليل للعمل فيها. وهل يعود قرار إغلاقها إلى زعيم حزبي أم إلى مؤسسة حكومية.؟ بيد أن الأمر تم توجيهه على نحو مغاير من قبل بعض الصحفيين في كردستان. وذلك بتركيزهم فقط على الانحطاط الاخلاقي للنساء العاملات في تلك النوادي، وكأنما الرجال الذين كانوا يرتادونها كان لأجل أداء صلاة قيام الليل. هذه وظيفة وعاظ السلاطين وليس عمل الصحفي الذي عليه أن يحمل هموم الناس بحيادية كاملة.

الأمر الآخر الذي تغافل عنه الصحفيون في كردستان. هو توقيت إثارة هذه القضية. وإن كانت بالفعل هذه القضية متعلقة بالآداب العامة وأخلاق المجتمع. إذن لماذا سُمح لها أساسا بالانتشار. ومن كان المستفيد منها.؟ ألا تنزع هذه القضية الحجاب عن تنافس داخل السلطة بالسليمانية على موارد السياحة.؟ لماذا انسجم عمل الصحافة مع الخطاب الشعبوي. ولم يشتغل كعمل استقصائي باحث عن الحقائق بمهنية العمل الصحفي.

عموما، استقرت هذه القضية البشعة في مخيلة عامة الناس كقضية أخلاقية من قبل جهة تدعي أنها حامية للأخلاق العامة. غير أنها تعكس سياسة الإلهاء التي تعتمدها الإدارة الحاكمة، لأجل إشغال الناس عما يحدث في كردستان إيران و عموم إيران، من ثورة عارمة انطلقت من مدينة كردية إثر مقتل فتاة كردية على يد ما يعرف بشرطة الأخلاق في إيران. ولئلا ينضم الناس في إقليم كردستان إلى حملة التضامن العارمة مع ثورة الناس في المحافظات الكردية المحاصرة من قبل جيش الجمهورية التي تقتل الناس باسم الإسلام. وليحدوا من تفاعل الناس مع المظاهرات المجاورة لأناسٍ تقوم الدولة الإيرانية باغتيالهم و إعدامهم لمجرد التظاهر سلميا.

وبمجرد إلقاء نظرة عامة على الصفحات الشخصية لدعاة الإسلام السياسي في كردستان العراق، لن نعثر على كلمة واحدة في حق مهسا أميني التي قُتلت بطريقة وحشية وانطلقت على إثرها المظاهرات. أو في حق الباحثة في اللغة الكردية موجكان كاوسي. ولم يتطرقوا بكلمة واحدة إلى القتل الوحشي للدكتورة عايدة رستمي التي كانت تقوم بمعالجة جرحى التظاهرات في بيتها بطهران. كل الفظاعات التي ترتكبها جمهورية الإعدام إيران، لا تستدعي اهتمام دعاة الإسلام السياسي. فهم مشغولون الآن بكيفية الإساءة إلى الشخصيات الكردية.
قبل سنة، حينما اندلعت الاشتباكات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في غزة، قام الدعاة الإسلامويون بدعوة الشباب الكرد إلى التجنيد إلى جانب أخوتهم المسلمين من الفلسطينيين ضد اسرائيل. طبعا لم يطلبوا ذلك من أبنائهم، بل من أبناء الفقراء. وكما يقول المثل الكردي : (يصطاد الأفاعي لكن ليس بيديه). علما أن قادة حركة حماس في أوج الصراع، كانوا مع عائلاتهم بمدينة دبي.
هنا تأتي المفارقة. أنه ما أن يجرح طفل فلسطيني حتى تسارع جميع المنصات الإعلامية للإسلام السياسي في كردستان العراق إلى التباكي عليه و التضامن معه. بينما لا يقومون بالأمر ذاته أمام جرائم الجمهورية الإسلاموية، التي تقتل يوميا أخوة هذا التيار، ليس في الدين فقط، بل وفي القومية أيضا.