مؤتمر بغداد الثاني ومخرجاته المحتملة
كارزان كاوسين *
انعقد في 20 ديسمبر 2022، في العاصمة الأردنية عمان، مؤتمر بغداد الثاني للتعاون والشراكة بين فرنسا ودول شرق أوسطية هي:( العراق والأردن والسعودية وقطر والإمارات العربية وإيران ومصر والكويت وتركيا). وذلك لمناقشة أهم القضايا المحورية في المنطقة، المتعلقة بالدرجة الأولى بالأمن و الاستقرار في العراق، وصلتها بالاستقرار في عموم الشرق الأوسط.
تدور مشاكل العراق الأساسية حول نقطتين جوهريتين، هما الأمن القومي و الغذائي. يتمثل الأمن القومي في التوغلات العسكرية المستمرة التي تقوم بها تركيا في عمق الأراضي العراقية و السورية. والأمر الثاني هو الأثر القاسي للتغيير المناخي في العراقي وصلته الوثيقة بالجغرافية السياسية، نظرا لوجود منابع المياه العراقية في كل من تركيا و ايران.
يعاني العراق منذ فترة طويلة من كوارث طبيعية متتابعة. وقد صنفته الأمم المتحدة كخامس أكثر بلد تضررا بالتغيير المناخي في العالم(1). ويعاني العراقيون في حياتهم اليومية من التأثيرات المباشرة للتصحر والجفاف وانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات بسبب السدود الكثيرة التي أقامتها تركيا في منابع هذه الأنهار، بشكل مخالف للاتفاقات الدولية الناظمة لسبل الانتفاع من الأنهار الدولية. ناهيك عن تراجع نسبة الأمطار بشكل كبير جدا في السنوات الأخيرة. و بالتالي اختنق تقريبا نهر دجلة الذي يعتبر شريان الحياة العراقية، ويربط مدينة الموصل ببغداد بالبصرة.
وقد تراجعت المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها كالقمح و الفاكهة منذ سنتين، وباتت المجتمعات الزراعية المحاذية للأنهار تتفكك بسبب الجفاف القاسي. ناهيك عن أثر ذلك على الثروة الحيوانية التي تضررت بالمقابل من هذه الظروف، الأمر الذي فاقم من نسبة العوائل التي تعاني من نقص في مداخيلها الشهرية وصعوبة في الأمن الغذائي الموافق لاحتياجاتها.
وقد صرح المجلس النرويجي لللاجئين(NRC) أن العراقيون ليسوا فقط ضحية للتغيير المناخي، بل وأيضا هم ضحايا الجغرافية السياسية، نظرا لاستخدام الدول المجاورة للعراق، للمياه كورقة ضغط، وأحيانا، كورقة ابتزاز ضد العراق.
تبرر تركيا توغلاتها المستمر في العمق العراقي، بوجود حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقي، وتتهم أيضا الحكومة العراقية بتقصيرها في إخراج مقاتلي الكردستاني من أراضيها. تشكل هذه النقطة أساسا للانتقادات التي تواجها تركيا في المؤتمرات الأمنية الخاصة بالعراق.
في المقابل، تمّ طرح ملف داعش وهجماته الأخيرة على القوات العراقية الفيدرالية، ورقة أساسية في المؤتمر. وذلك بعد التأكيد على بقاء هذا التنظيم وقدرته على إعادة تنظيم خلاياه وتوجيه ضربات مستمر إلى الأمن في العراق والمنطقة. وبالتالي يتوجب زيادة التعاون الأمني بين الدول المعنية، للحد من نشاط وفعالية هذا التنظيم. ذلك يعني، أن أي هجوم تركي على الحدود العراقية، سيساهم مباشرة في دعم تنظيم داعش وفي زيادة قدرته على تنظيم الهجمات ضد القوات الأمنية العراقية.
أكدت قمة بغداد الثانية على ضرورة دعم الأمن و الاستقرار في العراق من أجل خلق الظروف الموتية لازدهاره. ووفقا لبيان الرئاسة الفرنسية، فإن هذا الاستقرار سيعود بالنفع على المنطقة ككل. منتقدا الأعمال العدائية التي تقوم بها تركيا وإيران في كل من سوريا و العراق بذريعة الدفاع عن أمنهما، وذلك في محاولة من هاتين الدولتين صرف الانتباه عن الأوضاع الداخلية المتفاقمة في البلدين.
ثمة مطالب في هذه القمة من جميع الأطراف المشاركة، و في مقدمتها العراق الذي عليه أن يسعى إلى تذليل العقبات أمام مشروع استقراره وتعزيز استقلاليته الاقليمية وتحقيق الشفافية الإدارية في الحكم، من أجل تجاوز هذه التحديات. وذلك بالرغم من أن المؤشرات السياسية العامة في الإقليم، تشير أن نفس هذه الملفات سيعود طرحها مجددا في قمة بغداد الثالثة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث واستاذ جامعي
هوامش:
1ـ https://reliefweb.int/report/iraq/uk-and-canada-commit-combating-climate-change-iraq-enarku
2ـ https://www.nrc.no/news/2022/october/iraq-drought-crisis-destroys-income-and-crops-country-wide/