اللغة الكردية: تحديات الجغرافيا والتاريخ 2-2

اللغة الكردية: تحديات الجغرافيا والتاريخ 2-2

كمال شاهين

يتحدث بين 20- 30 مليون إنسان الكُردية، وتبعاً للتقسيمات اﻷوروبية للغات فإنها تنتمي إلى عائلة اللغات الهندو ـ أوروبية، المجموعة اﻹيرانية الغربية (تقسيم ماكس مولر)، ولا يوجد نقطة بدء في تحديد ساعة الصفر اللغوية للكُردية، مثلها مثل غيرها من اللغات الحية، على أن هناك من يقول بظهور الكُردية في إحدى نسخ الفارسية في القرن السابع الميلادي وهي كما تقول جويس بلاو Joyce Blau قصيدة Hurmizgan كُتبت باللهجة الهورمانية Hawremani تتحدث عن الفتح الإسلامي ( ).
النقطة الفاصلة في التأريخ اللغوي تعود إلى نقطة فاصلة في التاريخ الكُردي، هي عام 1071 أي العام الذي جرت فيه معركة (ملاذكرد ـ ملاذكير) بين السلاجقة و البيزنطيين، ويشير المؤرخ الكُردي المعاصر "محمد أوزون" في عمله "بداية اﻷدب الكُردي" إلى أن "لهذا التاريخ أهمية بالغة، ففيه اقتحمت القبائل الطورانية الغازية المدن، وفُتحت بوّابة الأناضول، وفيها اندحر سكان اﻷناضول البيزنطيين ولحقت الهزيمة باﻷكراد وغدت هذه الانتكاسة مصدر ويلات ومآسي لا تنتهي" ( ).
كتب العديد من الكتاب الكُرد بالعربية والفارسية والتركية وغيرها، يظهر لدينا في القرن الثاني عشر الميلادي اسم "ابن اﻷثير" صاحب كتاب "الكامل في التاريخ"، المولود عام 1160 في جزيرة ابن عمر (بوتان) ( ) وقد كتب مع إخوته الثلاثة بالعربية (وهناك خلاف في كونه عربي أم كُردي حسب موسوعة الويكبيديا بين النسختين العربية واﻹنكليزية)، بينما كتب إدريس بيتليسي Idris Bitlisi، وهو شخصية عثمانية كردية، كتاب Hesht Behesht ( الفراديس أو الجنان الثمانية) عام 1502، ويروي فيه سير أول ثمانية سلاطين عثمانيين بالفارسية، ولدينا كتاب "تاريخ الأمة الكردية" المكتوب بالفارسية عن تاريخ الكُرد في القرون الوسطى للأمير "ِشرف خان" نهاية القرن السادس عشر ( ).
أول شاعر كردي معروف هو "علي الحريري" (1425، 1495)، وفي جزء من أعماله يتحدث عن كُردستان "ساحة معركة بين الفرس والترك"، وعن جمال بنات كُردستان، الوطن اﻷم، لكنه سيبقى دون انتشار الشيخ "أحمد نيشاني"، المعروف باسم الملا الجزيري (1407-1481) المولود في جزيرة بوتان (جزيرة ابن عمر) والمتوفى فيها، صاحب (العِقْد الجوهري) الذي تمت صياغته بخليط مدهش من الكردية والفارسية والعربية والتركية، وقد قدم "الملا الزفنكي" ـ مفتي القامشلي قبل البعث ـ شارح الديوان وصفاً مفصلاً وبالغ الدقة والوضوح عبر نقله كامل الديوان إلى العربية ( ).
سيشهد القرن السادس عشر أيضاً ولادة الشاعر أحمد(ي) خاني، في بايزيد (إيران الحالية)، صاحب الملحمة اﻷشهر في تاريخ اﻷدب الكُردي حتى اﻵن، (مم وزين mum u zin)، التي تتألف من أكثر من 2650 بيتاً منفرداً، وستشكل على مدى اﻷيام أحد طرق التمسك بالهوية الكُردية أوقات القمع في بلدان المربع الكُردي.
مطلع القرن العشرين، ستشهد الإمبراطورية العثمانية انتشاراً لحركات التحرر الوطني وتأسيساً للقوميات من منطلقات حداثية مختلفة عن السياق التاريخي لمنظومة الفهم العثماني، وفي ظل التشابك مع القبلية، ستتطور حركة قومية كُردية ببطء، سيقود غمارها النخب الإقطاعية المتنورة في قطاع واسع من بقايا اﻹمبراطوية اﻵفلة، لقد صدرت أول صحيفة تحمل اسم كُردستان في القاهرة عام 1898 من قبل آل بدرخان، ومنذ عام 1932، كان الكُردي قادراً على الكتابة بلغته بالأحرف اللاتينية في تركيا وسوريا بفضل أبجدية اخترعها العالم اللغوي "جلادت بدرخان" أيضاً، وأمل بأن تعمم للاستخدام في كل مناطق التواجد الكُردي.
إن اللغة، حسب سايبر، "قوة كبيرة في التنشئة الاجتماعية، ومن المحتمل أنها القوة اﻷكبر، وهذا ﻻ يعني الحقيقة الواضحة التي تفيد بأن العلاقات الاجتماعية المهمة لا يمكن لها أن تكون واقعاً من دون لغة إلا بصعوبة كبيرة، وإنما مجرد وجود كلام مشترك فهذا يؤدي وظيفة رمز فعال على نحو مميز للتضامن الاجتماعي بالنسبة إلى أولئك الذين يتكلمون اللغة" ( ).
إذاً، مشكلة اللغة الكُردية الرئيسية هي عدم كتابتها بمحرف خاص بها، واتساع منطوقها الشفوي على حساب الكتابي (تعدد لهجاتها الكبير)، مما أضعف تمكين توحيدها في سياق واحد بين مختلف الشرائح الاجتماعية الكُردية في البلدان التي يتواجدون فيها، وتلعب دوراً في ذلك مجموعةُ أسباب سنتناولها في التالي، ونقسمها إلى عوامل ذاتية مرتبطة ببنية اللغة / المجتمع نفسها، وأخرى خارجية ناتجة عن سياسات قمعية مورست ضدها بشكل متقصّد على فترات طويلة.
لمتابعة القراءة يرجى الضغط على الرابط أدناه:


 Download