المتحوّر الإسلامي وتغيير الخلية المضيفة تحريك طالبان مثالاً
جوانا محمود
على وقع التحديات القائمة ولأجلها، يتمايز الإسلام السياسي في تنوعّات شتى، ليشكّل جسماً سياسياً تلو آخر، يتبدّل موقعه وتتحوّر صفاته، دون أن تحيد عقائدياً عن إحدى أقوى الأيديولوجيات السياسية العابرة للحدود. فما مصير الدول المارقة التي تتيح هذا العبور؟ وما أثر المتحوّر في المضيف ذاته؟
تتقاطع أدوات هذا المرور المرن بين بيئة حاضنة، تستفيد فيها الحركات الإسلامية من العاطفة الدينية الشعبية لكسب أتباعٍ لأيديولوجيا سياسية مفارقة للدين بلا ريب، وبين دولٍ مضيفة تستخدم هذه الحركات لمحاربة دول الجوار، وتنفيذ أجندات سياسية مختلفة عبر ذراع الحركات المسلحة هذه.
عنصر المغامرة الأبرز في هذه اللعبة يتضاعف عندما تستمدّ الدولة بذاتها شرعيتها من الإسلام، فلطالما كان الإسلام أو بالأحرى تأويلاته المختلفة في كل منطقةٍ على حدة، عاملاً حاسماً بطبيعته لإضفاء الشرعية على أيّ حكم سياسي. واللعب على دعم حركات إسلامية متطرفة قد يصعّب والحال هذه من مهمة التخلص من الضيف بعد انتهاء مهمته.
مع انحسار المدّ الداعشي في الشرق الأوسط، فإن ما يبدو مكشوفاً للعيان بروز عنصر جديد مزعزع للاستقرار بدأ بتغيير التوازن الاستراتيجي في جنوب آسيا، هو تنظيم تحريك طالبان باكستان TTP، وهي الامتداد الأيديولوجي للحركة الأفغانية في باكستان، والمسؤولة عن هجمات دموية متواترة في المنطقة، فوفق إذاعة صوت أمريكا أن "العنف الذي تبنته حركة طالبان باكستان أو ألقي باللوم فيه على الجماعات المسلحة الأخرى قتل ما يقرب من 1000 باكستاني ، بما في ذلك ما يقرب من 300 من قوات الأمن ، في حوالي 376 هجومًا إرهابيًا في عام 2022".
لا يخفى على أحد الدعم اللوجستي بل والفكري التاريخي الذي قدمته باكستان لحركة طالبان في العشرين سنة الأخيرة، وفي وقت الغزو الأمريكي ، قاتل العديد من الجهاديين الباكستانيين نيابة عن الحكومة الباكستانية في أفغانستان ، وطالما لمح الأمريكيون أن المخابرات الباكستانية تلعب لعبة مزدوجة في محاربة الإرهاب، ليتحول التلميح تصريحاً بعد انكشاف اختباء أسامة بن لادن في منزل بالقرب من الأكاديمية العسكرية الباكستانية، وإعلان أوباما استبعاد مشاركة باكستان بالغارة لكشف عناصر في الجيش الباكستاني حافظت على علاقات مع الإرهابيين ليستخدموهم أحياناً كأصول استراتيجية ضد الهند.
لكن ومع وصول طالبان إلى السلطة، بدأت باكستان تواجه شبح انقلاب هذا السلاح الجهادي ضدها بعد تحوّل أعضاء من داعش خراسان والقاعدة المدعومة من قبلها نحو تحريك طالبان باكستان، فلقد نجحت الأخيرة في وضع أساس لجبهة الحرب الجهادية المناهضة للدولة في باكستان رغم أنّ العلاقات القوية بين المؤسسة العسكرية الباكستانية والجماعات الجهادية المحلية أدت إلى تعقيد هذا الهدف في البداية. فقد كانت هذه الجماعات منخرطة بنشاط في الجهاد في كشمير وأفغانستان وتتمتع بدعم كامل من الدولة.
بهذه التحالفات، وبفضل القدرة العملياتية التاريخية الضخمة ، ورأس المال السياسي القوي ، ودعم نظام الأمر الواقع المجاور المسلح بأكثر من 7 مليارات دولار من المعدات العسكرية الأمريكية ، ودولة مضيفة تعاني من أزمات متقاطعة متعددة ، باتت لدى TTP فرصة لزعزعة استقرار باكستان ومن ثمّ المنطقة بأكملها كما لم يحدث من قبل.
في مقابلة حصرية مع CNN صرّح مؤخراً زعيم حركة طالبان باكستان نور والي محسود: "إننا نقود الحرب ضد باكستان من داخل الأراضي الباكستانية، على التراب الباكستاني، لدينا القدرة على القتال لعدة عقود مزودين بالسلاح وروح التحرير الموجودة في أرض باكستان"
ما قاله محسود لا يطال باكستان وحدها، بل يطال كلّ بقعة في العالم، طالما امتلك المتحوّر الإسلامي هذه المرونة والقدرة على عبور الحدود والقارات بلا رقيب. ويعني أن باكستان تستعدّ لسنة دموية بعد مباحثات سلامٍ فاشلة استمرت أكثر من عام.
بنظرة سريعة لشروط اتفاق السلام المقترح المتضمن انسحاب عشرات الآلاف من القوات الباكستانية المتمركزة في شمال غرب باكستان. فضلاً عن الموافقة على تطبيق الشريعة الإسلامية في أجزاء من خيبر بختونخوا، نجد أن المتحوّر الإسلامي الجديد يحاول تغيير طبيعة الدولة المضيفة اليوم. والمظاهرات التي حدثت ضد تهاون الدولة مع تحريك طالبان خير دليلٍ على تخوف شعبي من إنكفاء الدولة.
هذا الانقضاض الدراماتيكي لحركات الإسلام السياسي على السلطة في بلد ما، ثم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الدول كما حدث مع طالبان في أفغانستان، قد يكون الحبّة الأولى في سبحة التطبيع مع الإرهاب لتقع دولٌ مضيفةٌ في حفرة لعبتها الخطرة مع لاعبي الأمس.