مصر والعملاق الاقتصادي الجديد ـ الهند

مصر والعملاق الاقتصادي الجديد ـ الهند

جوانا محمود


توجهت الأنظار في الشرق الأوسط في الأيام القليلة المنصرمة إلى الهند، وبالذات إلى مشاركة القوات المصرية في مراسيم الاحتفال بعيد الجمهورية الهندية، والتي دُعي إليها الرئيس المصري فقط، في حين أنها دعت أحد عشر رئيساً في آخر احتفال لها بهذا العيد. ليثور كمٌّ من التساؤلات والتوقعات الاقتصادية ممتدة التفاؤل بما سوف يكون.
لا يخفى صعود الهند قوةً اقتصاديةً واعدة وكبرى مؤخراً، إذ ينبئ مؤشر مورغان ستانلي بنمو الناتج المحلي الكلي في الهند من 3,13 ترليون دولار إلى ما يقارب الـ 8 ترليون دولار. ويتوقع أن ترتفع صادرات الهند من 2,2 % من مجموع الصادرات العالمية إلى 4,5% في العام 2030. أما متوسط دخل الفرد، فيتوقع ارتفاعه من 2278 دولار إلى 5242 دولار. فضلاً عن تغير نصيب الأسر الهندية ذات الدخل فوق الـ 35 ألف دولار سنوياً، فسوف ترتفع بشكل صاروخي من 5،6 % إلى أكثر من 25 %. ما يعني أن كلّ أسرة من أربع أسر هندية ستغدو أسرة من الطبقة المتوسطة العالمية وفق ما ذكرته the news international.

تُقدر الاستثمارات الهندية في مصر بنحو 3،2 مليار دولار، تتراوح بين الكيمياويات و الصناعات النفطية والمنسوجات. وقد صرح اليوم السفير الهندي في مصر، بأن بلاده تتطلع إلى ضخ استثمارات اضافية بقيمة تبلغ 700 مليون دولار، والعين هذه المرة على التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط أولاً، وعلى الاستثمار في البنية التحتية لقناة السويس ثانياً. لا ريب أنّ الإمارات العربية لعبت دوراً مهماً خلف الكواليس في الإعداد لهذا المدّ من التعاون الاقتصادي وتنشيط علاقةٍ كان لها من الثقل ما لها سلفاً. لا ننسى أن الهند استثنت مصر لدى إيقافها تصدير القمح، لما لهذا البلد من أهمية في الخرائط الاستراتيجية والعلاقات الطويلة الممتدة منذ انضمام كلا البلدين إلى دول عدم الانحياز.
الهند اليوم عملاقٌ اقتصاديٌّ، مسلح بالخبرات والعمالة المدربة. يتطلع إلى بوابة إفريقيا وأكثر دولها استقراراً وثقلاً سياسياً هي مصر. فحتى تدخل أفريقيا من بابها الواسع، عليك أن تضمن خطوتك سياسياً مع بيضة القبان. بعد توجه الصين وروسيا إلى أفريقيا، لن تدخر الهند جهداً للدخول بثقلها الجديد، متسلحة بتاريخها الأكثر تقارباً مع شعوب المنطقة فكرياً، و بتفوق قياداتها في التخطيط الاقتصادي، الذي جعلها تفلت من ربقة الدول الفقيرة.

بنظرة شاملة للهند وتوأمها باكستان التي انفصلت عنها مبكراً. سنرى حجم التطور الحاصل. إن بدأنا بآخر مغامرة قام بها مشرّف في كشمير. حينها، كان الناتج المحلي الإجمالي للهند لا يتجاوز الـ 54 مليار دولار سنوياً، في حين أنه يتجاوز اليوم 3،18 ترليون دولار. أما الناتج المحلي لباكستان اليوم فهو 350 مليار دولار فقط.
التوأم الباكستاني القلق داخلياً، والمضطرب سياسياً بتدخل الجيش في الحياة المدنية، قد تكون طامته الكبرى دخوله في مغامرات خارجية، ليس أولها قضية كشمير ولا آخرها المستنقع الأفغاني، أنتج في عمومه اقتصاداً مختلاً وفقراً متزايداً، يشتريه المغامرون وأصحاب الأحلام السياسية، ليس آخرهم أردوغان.
من هنا بدأت تحركات إماراتية في المحيط العربي عوداً على نسج العلاقات مع الشريك الأهم، وهو الهند. الشريك الأقرب تاريخياً وفكرياً من النظم العربية الحاكمة في المنطقة بصيغتها شبه العلمانية، بعد زيادة الخوف الذي زرعه الإسلام السياسي في المنطقة، وعلى رأسهم حركة الإخوان المسلمين في مصر. لتثمر هذه الزيارة للرئيس السيسي وما تلاها من اتفاقات وتطلعات اقتصادية قد يكون لها ثقل سياسي تابع.
اليوم تأتي الهند إلى مصر، وقد تكون ثقل الحماية المنشود لتجاوز الاضطرابات السياسية والبدء في بناء حقيقي. بعيدا عن الاقتصاد الريعي والاستثمار العقاري. فما فعلته الهند على مستوى بنيتها التحتية بعيدا عن البهرجة العقارية التي تنحو إليها الدول العربية، قد يبدو مثالاً مؤثراً في توجهاتنا القادمة.
قد تنتج عودة الهند إلى الشرق الأوسط تأملاً عربياً، وطموحاً مماثلاً للبحث عن رفاه الشعوب والابتعاد عن المغامرات السياسية. ليعود حلم عدم الانحياز إلى القلب، فيحيا على خريطة عالمية أشد تعقيداً مما كانت عليه أثناء دوران العالم بين قطبين لا ثالث لهما.