التطبيع العربي مع النظام السوري

التطبيع العربي مع النظام السوري

أميرة الطحاوي

في بداية الحراك السوري العام 2011 لم يبد كثيرون في الخليج بالأخص تعاطفا ملموسا مع مطالب المتظاهرين المدنية، ولكن ما ان بدأت الحركات الإسلامية في الظهور حتى تغير الموقف. استوقفني في 2013 على شبكات التواصل بالأخص تويتر وتلكرام حسابات تجمع المساعدات المالية لجهات ما، وأخرى تعلن عن مسابقة أسئلتها دينية جائزتها قذيفة (تُنشر صورتها) يكتب عليها اسم الفائز، ووعد بأ، تنزل على منطقة كذا في سوريا، هكذا علنا!. تراجعت هذه الحمى مؤخرا، وتلقى الرئيس السوري بشار الأسد دعوة رسمية من السعودية للمشاركة في القمة العربية التي تعقد في مدينة جدة الأسبوع المقبل بعد عقود من تجميد العلاقات الرسمية بين نظام الأسد وعواصم عربية.
وكان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قد وصل إلى جدة السعودية، في 12 من أبريل نيسان الماضي، بدعوة رسمية، فيما اعتبر نقلة في مسار العلاقات العربية مع النظام السوري.
لكن الخطوة الأبرز في مشوار التطبيع جاءت قبل ذلك من الإمارات التي افتتحت سفارتها في دمشق مجددًا في 2018، وتسارع المسار بزيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى دمشق، ولقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في زيارة وصفها الأول بـ"الإنسانية" عقب زلزال فبراير شباط الماضي، وصولًا إلى اجتماعَي وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن مع المقداد بالعاصمة الأردنية عمّان في 1 مايو أيار الحالي. ويبدو أن مسار تطبيع العلاقات مع نظام الأسد لا يتراجع حقا، لكن هل يفيد المواطن السوري في شيء؟ إذ لم يذكر من المحتفين بهذه الخطوة مثلا ملف المغيبين والمعتقلين حتى الآن!
يرى "ستيفن هايدمان" أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة كولومبيا ان التطبيع الأخير ما هو إلا تتويج لحملة استمرت سنوات من قبل قادة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والأردن بالأخص، لإعادة التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، على أمل أن يكون إغراء التطبيع أكثر فاعلية من العقوبات (المطبقة بالفعل من الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة وبالطبع أمريكا)، وان الملفات الأولى بعد هذه الخطوة ستكون "إعادة للاجئين ووقف تهريب المخدرات" .
نظريا، يرجع هايدمان موقف الفاعلين الإقليميين لتغليبهم المنهج البراجماتي والواقعي على الانقسامات الجيوسياسية والطائفية، ويرى في دراسته الأخيرة بمعهد بروكنجز ان هذا التحول لا يعني أبدا بدايات سلام دافئ بين الخصوم العرب أو بين الأنظمة العربية وإيران. أو أن التوترات بين الأسد والأنظمة التي عملت لعقد على الإطاحة بنظامه قد تضاءلت، ضاربا المثل بالأردن التي قصفت موقعا لإنتاج المخدرات في جنوب سوريا قبل أن يجف حبر تصويت جامعة الدول العربية على إعادة سوريا لمقعدها.
أما إيران التي زعم عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالمجلس الإسلامي بها أنه ستُفتح سفارتا إيران ومصر في البلدين قريبا، وسيلتقي إبراهيم رئيسي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فتبدو تصريحات فداحسين مالكي تلك، الأحد لوكالة تسنيم، مبالغ فيها، فبعد الاتفاق بين طهران والرياض في مارس الماضي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن توسيع العلاقات بين القاهرة وإيران " مرهون بتقييم اتفاق إعادة العلاقات بين طهران والرياض." صحيح إن الخارجية المصرية وأمانة جامعة الدول العربية، تحمستا لعودة نظام الأسد عربيا، لكن الخطوة غالبا لن تمتد لحليفه الإيراني.

أما في واشنطن، فقد طرح نواب جمهوريين وديموقراطيين، مشروع قانون ضد التطبيع مع نظام الأسد محذرين الدول والشركات من التعامل معه. ويهدف القانون إلى ردع أي جهة سواء على مستوى أفراد أو مؤسسات من التطبيع مع النظام. ونقلت صحف عن مقترح المشروع، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايك مكول، انه يجب تحميل نظام الأسد مسؤولية ارتكاب هذه الجرائم وليس الترحيب بهم مجدداً، ومن دون شروط في المجتمع الدولي”.
قانونيا وعمليا، تعطي سوابق قضائية للرئيس الأمريكي اليد العليا في تحديد القوة الأجنبية التي سيعترف بأنها شرعية. وليس متوقعا إن أجيز التشريع أن يلزم الرئيس بتغيير في سياسته الخارجية، أو يدفعه لقطع علاقات مع دول تطبع الآن مع الأسد، وإن كان سيسمح بعقوبات (إضافية) ضد كيانات (سياسية واقتصادية) قد تغريها خطوة التطبيع العربي ببدء التعاون مع دمشق.
و يتضمن القانون بوضوح منع الإدارات الامريكية من الاعتراف بأي إدارة في سورية يرأسها بشار الأسد، ومعاقبة أي جهة تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً له. كما يطلب مشروع القانون من وزير الخارجية الأمريكي، تقديم تقرير مفصل سنوي عن مجمل ما يقوم به نظام الأسد من تلاعب وسرقة بالمساعدات، كما معاقبة المطارات التي تسمح بهبوط خطوط الطيران المملوكة من قبل نظام الأسد، سواء عامة أم خاصة، ما يعني الحد من تحركات بشار الأسد نفسه.

لا يبدو أن دول الخليج العربي بالأخص تخشى من أن تطالها عقوبات إذا استثمرت في الداخل السوري تحت غطاء إعادة الإعمار، فقانون قيصر مثلا، الموقع في 20 يناير (كانون الثاني) 2020 تحت اسم "قانون قيصر سوريا للحماية المدنية"، قبل ان يوقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد أيام قليلة ليصبح نافذاً اعتباراً من 17 يونيو، وتمتد صلاحيته حتى عام 2024 لم يطل أي مستثمر خليجي وإن جعل شركات أوربية بالأخص من بريطانيا واليونان تحجم عن بعض مشاريع في الداخل السوري.
ويشكل هذا القانون جزءاً من قانون تفويض الدفاع الوطني (S1790) لعام 2019. تم إقراره في مجلس الشيوخ في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2019، بالتوافق مع مجلس النواب أيضاً، ويهدف إلى معاقبة النظام السوري ورئيسه، على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق المدنيين السوريين.

من ناحيتها، تمسكت فصائل من المعارضة السورية ببيان جنيف واحد (مجموعة العمل من أجل سوريا) ونقاط كوفي عنان (أمين الأمم المتحدة وقتها) الستة، ووصف رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس السبت جهود التطبيع بأنها "تقويض للانتقال السيادي و العدالة الانتقالية ومقرطة سورية،" مدعيا أن 40% من المناطق خارج سيطرة النظام. ورغم جولات وزيارات للهيئة لعدة دول عربية وأميركا ولقاءات دبلوماسيين وتأكيد جاموس أن واشنطن ترى الحل عبر الأمم المتحدة وفق القرار الأممي 2254 فقد وصف موقفها بأنه ثابت لكن ضعيف في التصرفات."
وقال جاموس "نسمع عن مفاوضات، حتى الآن لم يتم التعامل مع من يمثل السوريين، النظام لا يمثل الشعب السوري بل يمثل أقلية فقط، الشعب السوري بإجماله يريد حلا سياسيا ودولة جديدة".


ونقل موقع عنب بلدي عن الناشطة السورية "وفا مصطفى" عبارتها "نقاتل لأجل حياة أهلنا" على هامش ندوة عقدها تحالف "انقذوا معتقلي سوريا"عبر الانترنت في 11 من مايو ايار الحالي، فيما يلخص ملفا غائبا عن كثير من المهرولين للتطبيع، آلاف المعتقلين والمغيبين.
وينضوي تحت التحالف الجديد حركات منها حركة “عائلات لأجل الحرية”، و”رابطة عائلات قيصر”، و”مبادرة تعافي”، وحملة “تحرك لأجل سما”، ونشطاء وضحايا تعذيب .
وتطالب مصطفى التي اعتقل والدها منذ ثلاثة آلاف و605 يوما باستمرار التواصل مع الحكومات الأوروبية والأمريكية للضغط عليها واستغلال كل فرصة ممكنة لإثبات أن النظام السوري استخدم (ولا يزال) الاعتقال بشكل ممنهج وواسع، وبالتالي بما ينفي أية إمكانية للتطبيع مع النظام السوري.
ووفق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فإن هناك أكثر من 135 ألف معتقل في سجون النظام السوري، من أصل نحو 154 ألفًا لدى مختلف أطراف الصراع. فيما تبلغ حصيلة الاختفاء القسري في سوريا 111 ألفًا و907 أشخاص، منهم 95 ألفًا و696 شخصًا لدى النظام السوري، بما يمثّل 85.51% من أعداد المختفين قسرًا.

تغطي كالي روبنسون الشرق الأوسط بمعهد العلاقات الخارجية، وتقلل في ورقتها الأخيرة من أي أثر ايجابي لهذا التطبيع على للشعب السوري الذي عانى أكثر من عقد من الحرب الأهلية ، والعنف الذي تفرضه الدولة والتشدد المتطرف. كما تشير بالأخص لموقف قطر الرافض لخطوة التطبيع، و لما تريده العديد من الحكومات العربية وبالطبع الغربية من تأكيدات بأن المتطرفين الإسلاميين الذين يسيطرون على شمال غرب سوريا لن يوسعوا انتشارهم.
وقد طالبت مسودة تشريع في البرلمان الأردني بوضوح من دمشق بقمع تجارة الكبتاغون وضمان العودة الآمنة للاجئين السوريين. من ناحيتها ترى روبنسون انه يمكن للسعودية والقوى العربية الأخرى أن تدفع سوريا لتقليل اعتمادها على إيران، لكن واقع الحال يطرح العكس تماما، فلا مؤشر على تقليل اعتماد بل زيادة عرى الترابط بين النظامين. ففي 3 أيار مايو الجاري مثلا، رافق رئيسي وزراء الخارجية والنفط والدفاع والطرق والتنمية الحضرية والاتصالات، في رحلة ليومين، وقع فيها الجانبان ما لا يقل عن 15 اتفاقية تعاون، بما في ذلك اتفاقية استراتيجية شاملة طويلة الأمد، لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.
سيكون نظام الأسد مطالبا بنفيذ التزامات بعينها بالأخص في ملف إعادة اللاجئين (وهو ما يستطيع بالتنسيق مع حكومات عربية فعله، دون النظر لمخاطر عودة هؤلاء ولا عدم تنظيمها بتدابير وترتيبات متعارف عليها أمميا من عودة طوعية وتوفير سبل العيش في المناطق الأصلية وتأهيلها) لكنه لن يستطيع انجاز الكثير في ملف وقف تهريب المخدرات (الذي توسع عبر الحدود) عمليا مما قد يغضب الأردن بالأخص ودول أخرى، لكن هل سيعني هذا الاخفاق المحتمل التراجع عن خطوة التطبيع كلية؟ ربما لا، سيواصلون المحاولة والتنسيق في هذا الصدد، كما لن يجني الأسد الكثير في الساحة الأوربية والأمريكية على الصعيد الاقتصادي، لخوف شركات ومستثمرين من عقوبات محتملة، إنه لن يكسب الكثير لكنه سيجد بخطوة التطبيع تلك مستوى جديد يتغنى فيه بإحساس زائف بالنصر.