السلة الغذائية السورية 2019/2023...الجفاف وغياب الاستراتيجية
إيفا شيخ موسى
"توقف معظم المزارعين عن استخدام آبارهم نظرا لتكلفتها الباهظة
زكي حجي مزارع نازح من رأس العين/سري كانيه.
مقدمة:
عانت سوريا من سنوات عجاف متعاقبة. بدأت في شتاء 2006 ووصلت ذروتها سنة 2021. لتخلف أزمة غذائية عميقة، عززتها الثورة التي اندلعت منذ عام 2011 و تحولت الى حرب اهلية, وأوصلتها إلى حافة المجاعة العقوبات الدولية عام 2020.
نظرا لأهمية الزراعة في الاقتصاد السوري ودورها في تشغيل اليد العاملة (19% من اليد العاملة)، أفضى تدهورها إلى تحولات جوهرية في التركيبة السكانية والمجتمعية في سوريا. تقدم بيانات منظمة الفاو FAO، احصائيات تفصيلية لهذه التحولات، منها زيادة الكثافة السكانية في المدن التجارية والصناعية بسبب الهجرة المناخية والغذائية التي سببتها سنوات الجفاف.
يأتي ما تقدم معطوفا على التغيير المناخي العالمي، وتأثيراته غير القابلة للتدارك سوى جزئيا عبر السياسات المحلية. بالإضافة إلى ما خلفته الحرب الأوكرانية الروسية من آثار اقتصادية أضيفت إلى الأزمة الصحية الكونية التي سبقتها، وتسببت في تضخم اقتصادي أدى إلى انهيار مالي في الدول الفاشلة والفقيرة، ضمنها سوريا ولبنان.
من جهة أخرى، شكل غياب الاستراتيجية الإدارة الدقيقة لإدارة المصادر المائية في سوريا، إلى عامل إضافي لتعميق آثار الجفاف على السلة الغذائية في سوريا. سواء قبل 2011 أو بعدها، مع تحول سوريا إلى مناطق نفوذ مقسمة إداريا إلى مناطق عسكرية، ساهمت بدورها في تحويل مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية إلى ثكنات عسكرية.
ناهيك عن أزمة مياه الشرب التي تسببت بها تركيا، إثر احتلالها لمدينة رأس العين/ سري كانيه 2019، وقطعها لمياه "محطة علوك"، المصدر الرئيس لمياه الشرب في محافظة الحسكة التي يقطنها أكثر من مليون شخص. الأمر الذي ضاعف من هجرة المدنيين من مناطق النزاع، وتحول آلاف الهكتارات الزراعية إلى أراض غير مستغلة زراعيا، وذلك وفقا لتقرير النزوح بفعل العطش.
بصفة عامة يمكن أن يؤدي ذلك إلى انعكاسات واسعة النطاق على المجتمعات المدنية, بما في ذلك التأثيرات على الاقتصاد والبيئة والصحة والاستقرار الاجتماعي, ومن أجل التكيف مع التحديات, تكون استراتيجيات إدارة الموارد المائية المستدامة والتخطيط الحضري الذكي ضرورية للمساعدة في تقليل تأثيرها وتعزيز المرونة والاستدامة للمجتمعات المدنية.
معطيات زراعية في سوريا:
تُقسم الأراضي الصالحة للزراعة في سوريا إلى خمسة مناطق مختلفة وفقا لنسبة هطول الأمطار سنويا. يشكل إجمالي الأراضي المستثمر زراعيا مساحة قدرها 5733220 هكتار، والمزروع منها فعليا هو 4209825 هكتار. وفقا للهيئة العامة العلمية الزراعية فإن الأراضي القابلة للزراعة في سوريا تشكل 6 مليون هكتار من أصل 18.5 مليون هكتار المساحة الإجمالية لسوريا. وقد بلغ إجمالي سكان سوريا لسنة 2007 ما نسبته 22 مليون نسمة. 8.9 منهم كان يقطن الريف.
وقد قامت الحكومة السورية قبل الثورة بوضع خطة خمسية للقمح ، تمثلت في الشكل التالي:
تحليل الوضع الحالي: تقوم الخطة بتحليل الوضع الحالي لإنتاج القمح في البلد, بما في ذلك مستويات الإنتاج والجودة والتحديات التي تواجهها
تحديد الأهداف: تحدد الخطة الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها مثل زيادة المساحة المزروعة, زيادة الإنتاجية للفدان الواحد, تحسين جودة المحصول, تعزيز الاستدامة البيئية, وتطوير عملية التصدير
وضع الخطط العملية: يتم وضع خطة عملية محددة تحدد الإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها لتحقيق الأهداف المحددة, مثل توفير الدعم الزراعي, التقنيات الزراعية المتقدمة, تحسين البنية التحتية للزراعة, وتشجيع الاستثمارات في القطاع الزراعي.
تنفيذ ومتابعة: يتم تنفيذ الخطة الخمسية بواسطة الجهات المختصة, وتتم متابعة وتقييم الخطة على مدار الفترة الزمنية المحددة.
تقييم النتائج: يتم تقييم نتائج الخطة الخمسية في نهاية الفترة الزمنية المحددة, وقياس مدى تحقيق الأهداف المحددة, ويتم استخلاص الدروس المستفادة وتعديل الخطة المستقبلية إن لزم الأمر.
وتشير بعض الدراسات إلى وجود مرحلة من الخطة الخمسية للحكومة السورية خلال الفترة ما بين 2019-2025 على المستوى الكلي, حيث أظهرت النتائج أنّ إجمالي إنتاج القمح في سورية سيزداد بالتدريج (بمعدّل نمو سنوي 2.8%) خلال السنوات القادمة(2019-2025) بدرجة ثقة 95%، وأنّ جميع القيم المُتنبّأ بها حتى عام 2025 تكون محصورة بين الحدّين الأدنى والأعلى، أي أنّ احتمال وقوع القيم خارج حدود الثقة هو 5%، وذلك باستخدام أنموذج ( 0,01) ARIMA.
وفي الإطار ذاته أصدرت الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا سنة 2016 الخطة الزراعية الخمسية في كوباني ولكن يبدو انها لم تبصر النور كغيرها من الخطط.
السياسات الاقتصادية الزراعية ما قبل وبعد 2011:
تعرف المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا بسلة الغذاء السورية، يتراوح إنتاجها بين 40% إلى 45% من إجمالي القمح في البلاد.
بعد ثورة 2011 باتت تقييم الأوضاع العامة، بما فيها المحاصيل الزراعية مرشحا للمقارنة بين إدارتين مختلفتين تغييرت معهما أوضاع البلاد منذ خروج مناطق ما عن سيطرة النظام السوري، ودخولها تحت سيطرة قوى أخرى. وعلى نحو أخص، بين فترة سيطرة الحكومة السورية على المنطقة، وفترة سيطرة الإدارة الذاتية على شمال شرق سوريا، ضمنها شهادات المزارعين الذين عايشوا هذه التحولات، ومنهم المزارع زكي حجي:
" بالنسبة إلى الأراضي المروية، كانت الحكومة السورية تبرم أحياناً عقودا مع المزارعين وتضع شروطا ايضا, إذ كان عليهم أن يزرعوا صنف معين من القمح. وكل فترة تقوم لجنة من الزراعة والإرشاد بزيارة المحصول والكشف عليه, للتأكد من توفر عناية كافية بالمحصول من حيث السقاية و التسميد حتى تكون حبة القمح قوية وذات إنتاج جيد وهنا كانت الحكومة تقدم نظام المكافأة في حال كانت المحاصيل جيدة, أي أن سعره بالمحصلة يكون اغلى من القمح الآخر وذلك كمكافأة لهذا المزارع, وكانت الحكومة تحوّل هذا الإنتاج الى بذور للسنوات القادمة أو تصدّره للخارج, أما نظام العقد لدى الإدارة الذاتية فهو أيضا كان يتضمن على الشروط ذاتها. لكن بسبب نزوحي من رأس العين/سري كانيه لم أعد أعرف كيف تجري الأمور"
ولمناقشة الواقع الزراعي سنتوجه إلى كمية الأمطار الهاطلة في المنطقة.
الجفاف وبداية المشكلة:
بحسب المركز السوري للطقس والمناخ بلغ تراكمي هطول الأمطار لموسم 2019/2020:
في الحسكة 339.5 ملم وفي دير الزور 210.5 ملم و في الرقة 217.5 ملم
وحينها أعلن موقع وزارة الزراعة السورية الانتهاء من زراعة محصولي القمح والشعير في مختلف المحافظات حيث تمت زراعة 1352984 هكتارا من محصول القمح بنسبة تنفيذ 75% منها 582092 هكتاراً مروياً و 770892 هكتاراً بعلاً, و توقعت مصادر رسمية سورية إنتاج نحو 3.7 مليون طن من القمح, وهي كمية تزيد عن الاستهلاك السنوي.
لقراءة التقرير كاملا يرجى الضغط على الرابط أدناه
Download