تسيس الإعلام في كردستان العراق/ كورال نوري محاورة لـ د.سامان فوزي

تسيس الإعلام في كردستان العراق/ كورال نوري محاورة لـ د.سامان فوزي
العمل الفني للفنان Eden some من هونغ كونغ

كورال نوري


بطاقة تعريف لـ د.سامان فوزي
سامان فوزي هو استاذ قسم القانون ورئيس البورد المشترك للدراسات العليا في جامعة التنمية البشرية / السليمانية. متخصص في المجالين القانوني والصحفي. له أكثر من 12 مؤلفا حول الاعلام والقانون. نذكر منها: مبادئ قانون الاعلام، دراسات معمقة في قانون الاعلام، المسؤولية المدنية للصحفي عن أخطائه المهنية، المرشد القانوني للإعلاميين، الصحافة الالكترونية ومشكلاتها القانونية، الاعلام في ظل القانون. وفي عام 2015 وبدعوة من الـ بي بي سي BBC شارك في كتابة قانون هيئة إعلام العراق.

استهلال:
ساهمت وسائل الإعلام في العالم بتهيئة الظروف لظهور حركات احجاج شعبية، انتهت بعضها بإسقاط أنظمة وحكومات، وإحداث تغييرات كبيرة. كما وساهم (الإعلام الحر) في تعزيز قيم المشاركة السياسية والتحولات الديمقراطية. ناهيك عن الأدوار الأخرى التي تضطلع بها وسائل الإعلام وفقا لطبيعة علاقتها مع الدولة و الحريات المتاحة وقوة القانون.
شهد العراق سنة 2003 تحولا جذريا في النظام السياسي، أفضى إلى حالة تشبه تلك التي وصفها رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص الوضع في لبنان بعد الحرب الأهلية (1975/1990) بـ " الكثير من الفوضى والقليل من الديموقراطية". وعلى المنوال ذاته، ظهر في العراق كم هائل من وسائل الاعلام بمسميات مختلفة، دون أن تفضي إلى تغيير نوعي في مهنية هذه الوسائل.
فقد بات من المسلمات أن الإعلام في عموم العراق وفي إقليم كردستان، قد غرق في بركة التبعية للقوى السياسية المهيمنة. وهذه الأخيرة تستخدم بدورها الإعلام كمنصة عقائدية ووسيلة لتصفية الحسابات والإساءة إلى الخصوم.
لدرجة أن بعض القوى العراقية السياسية باتت تراهن على وسائلها الإعلامية أكثر من برامجها السياسية لضمان مستقبلها ضمن خارطة القوى المهيمنة على مقدرات البلد. بل وقد تجاوز الأمر مستوى القوى السياسية، حيث باتت الميلشيات أيضا تمتلك منصات اعلامية وتستخدمها لتورية ما تقوم بها من أعمال عنف خارج إطار القانون.
في المقابل تعجز وسائل الإعلام المستقلة القليلة على منافسة نظيراتها الإعلامية المدعومة حزبيا. ويأتي التمويل في قائمة العوائق المقيدة لقيام الإعلام المستقل بدوره كقوة رقابية وسلطة رابعة في بلد متأزم مثل العراق.
لهذه الأسباب ارتأينا أن نجري حوارا مع البروفسور سامان فوزي، لتسليط الضوء على بيئة العمل الصحفي وواقع حرية التعبير في العراق وإقليم كردستان. وتناول بعض الأساسيات المهنية في العمل الإعلامي، وقوانين حماية هذه المهنة، والنزاع السياسي والاعلامي.



كورال
1/ يتكون المشهد الإعلامي في العراق وكوردستان من شريحة كبيرة من الوسائط: 57 قناة تلفزيونية، و152 وسيلة إذاعية، وفقا لهيئة الإعلام العراقية، ناهيك عن الصحف والمواقع الإلكترونية باللغتين العربية والكردية. وضمن هذه الكمية الهائلة من وسائل الإعلام في بلد غارق بالصراعات والأزمات المتتالية. نادرا ما نعثر على منصة إعلامية مستقلة. وبالتالي، أتعتقد بأن واقع الاعلام في عموم العراق، ضمنها إقليم كوردستان يشهد بالفعل تراجعا خطيرا في مجال حرية التعبير ؟ و كيف ترى سياسية تكميم الافواه التي تمارسها السلطات في العراق واقليم كوردستان؟
فوزي:
يعزى ندرة وسائل الإعلام المستقلة في العراق وإقليم كردستان إلى عوامل مختلفة، بعضها اقتصادية، حيث لا يستطيع الاعلام المستقل ان يعتمد على نفسه في مسألة التمويل الذاتي. وعوامل قانونية، تتمثل في عجز الجهات الرقابية عن معرفة مصادر تمويل القنوات الإعلامية الكبيرة، والمؤيدة للتوجهات السياسية للأحزاب المهيمنة. وعوامل سياسية تختصرها آلية التمويل الحزبي للقنوات الإعلامية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وكذلك ثمة عوامل يمكن القول بأنها إدارية. بمعنى عدم وجود شكل آخر للتمويل على غرار أوربا، مثلا تعتمد قناة الـ BBC في جزء من ميزانيتها المقدرة بأكثر من 5 مليارات دولار سنويا، على ضرائب " رخصة مشاهدة التلفزيون" ضمنها 90 مليون دولار من الحكومة البريطانية لدعم الخدمة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية . وكذلك الأمر بالنسبة إلى قناة دوتشيه فيله DWالألمانية والتي تحظى بدعم مزدوج حكومي من قبل الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية ودعم آخر تقدمه وزارة الخارجية الألمانية وكذلك من ضريبة "رخصة المشاهدة".
في حين عجزت شبكة الاعلام العراقية من الاستمرار كوسيلة مستقلة، وبالتالي ممثلة لتطلعات ومشاكل الناس في العراق.

كما تعلمين، فإن أساس مفهوم فصل السلطات هو وجود سلطات يمكن ان تمارس شيء من الرقابة وتضع حدا لصلطة أخرى. كالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أو بين التشريعية والقضائية وهكذا دواليك. وبالتالي فإن فكرة وجود رقابة ما على عمل الحكومة يساهم في منع تحولها إلى سلطة مستبدة.
ومن ضمن آليات هذه الرقابة تضمين مبادئ دستورية واضحة تحد من جموح السلطة التنفيذية، وتعزيز عمل السلطة القضائية. وبالإضافة إلى ذلك، يشارك الإعلام، إن كان مستقلا، دورا رقابيا فعالا، ويتدخل بأدواته الخاصة في الكشف ونشر المبادئ الديموقراطية لسد الطريق على انحرافات السلطة.
مثلا في القضية المشهورة باسم " فضيحة وترغيتThe Watergate scandal في أمريكا. 1972. والمتعلقة بأثر التنصت على فوز الرئيس ريتشارد نيكسون بالانتخابات الرئاسية، وقيام جريدة الواشنطن بوست بنشر المعلومات التي وصلتها من شخص "ديب ثروت"، الأمر الذي ساهم في تشكيل رأي عام ضد نيكسون وبالتالي إلى استقالته.
بينما لا نلاحظ أي تطور لحرية التعبير في العراق ولا في إقليم كردستان العراق، وبل وعلى العكس، نعايش تراجعا في الحريات.

كورال2
كيف يمكن التوفيق بين المهنية الإعلامية والتبعية الحزبية أو للجهة الممولة في الاعلامين العراقي والكوردي؟ وخاصة بعد تراجع دور وسائل الاعلام المستقلة ؟ أنعايش حقا حالة من الفوضى الاعلامية؟


فوزي/
بيئة العمل الصحفي الموجودة في العراق و اقليم كوردستان ليست مناسبة لحرية العمل الاعلامي، ولم تتمكن الصحافة فعليا من ان تتحول إلى سلطة رابعة. لأسباب كثيرة، منها:
ـ مسألة آلية تمويل القنوات الاعلامية
ـ وعدم التزام وسائل الإعلام بميثاق الشرف المهني على الوجه المطلوب. مثلا في قضية أوراق البنتاغون بأمريكا 1971، حينما سرب موظف في وزارة الدفاع سبعة آلاف وثيقة سرية حول حرب الفيتنام. ونشرتها صحيفة النيويورك تايمز. حصلت الحكومة الأمريكية على قرار قضائي بمنع نشرها، فاستأنفت جريدة الـ واشنطن بوست بنشر تلك الوثائق، فتمكنت الحكومة مجددا من اصدار قرار قضائي بمنع نشرها، الأمر الذي دفع بجريدة " بوسطن غلوب" باستئناف نشر الوثائق والتي استمر نشرها حتى سنة 2011. ولم يقوى القضاء على إسكات تلك الصحف التي آمنت بمصداقية المهنة وضرورتها للشأن العام.
لا يمكن العثور على حالة مماثلة في بلدنا. بل وحتى لا يمكن ترتيب عمل مشترك بين مختلف القنوات الاعلامية نظرا لتبعيتها السياسية والطائفية.
كورال
3/ إلى ماذا يعزى تخلف الإعلام عن القيام بدوره المفترض كسلطة رابعة؟ أهي دائما إشكالية التبعية المالية والسياسية والطائفية.؟ وهل تفسر التبعية تحول وسائل الإعلام العراقية إلى منصات حزبية متممة للعمل العقائدي .؟
فوزي/
دون شك يشكل التمويل العقبة الجوهرية لظهور إعلام مستقل في العراق وإقليم كردستان، وهو لهذا السبب بالتحديد يعجز عن قيامه بدوره الرقابي كسلطة رابعة. فالإعلام العراقي في عمومه مسخر للترويج للمصالح الحزبية.
كما ولم تتحول الإعلانات التجارية إلى بديل مالي لتمويل القنوات المستقلة. فأغلب الشركات التجارية تفضل نشر دعايتها في القنوات التابعة للجهات الحزبية نظرا لضخامة وقوة تلك القنوات مقارنة بالوسائل المستقلة.
يضاف إلى ما تقدم مشكلة في البنية القانونية للعمل الاعلامي في العراق، فإلى الآن يتم العمل بقانون المطبوعات العراقي لسنة 1968 و قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 و قانون نقابة الصحفيين الذي يرجع ايضاً الى حقبة حزب البعث البائد.
كورال
/ يفترض في وسائل الإعلام أن تتيح مساحة للرؤى السياسية المختلفة، بأن تتجادل عبر الإعلام. غير أننا لاحظنا، خصوصا في البرامج الحوارية التلفزيونيةـ بأن الوسيلة الإعلامية بحد ذاتها تكون طرفا سياسيا في القضية السجالية ولا تلتزم الحياد. إلى ماذا يعزى غياب الموضوعية عن الأدوار الإعلامية المشار إليها هنا.؟
فوزي
يمكن اختصار الاجابة في تكرار ما سبق ذكره. ترجيح المحسوبية على المهنيةـ وتوجيه القنوات سياسيا من قبل المصادر المالية. باختصار يعود ذلك إلى أن الإعلام العراقي يتهيكل كمؤسسة حزبية وليس إعلامية.
كورال
ـ من ضمن المسؤوليات الملقاة على الإعلام هو التزامه أمام المجتمع بالإخلاص للمشكلة الاجتماعية كما أظهرتها نظرية المسؤولية الاجتماعية لوسائل الاعلام منذ أربعينيات القرن المنصرم. والتي تقول بضرورة أن تكون وسائل الإعلام شاملة ومتوازنة في مواضيعها، ودقيقة في بياناتها. ونظرا لأن العراق بلد يخرج من حرب أهلية ويدخل في صراع سياسي أشبه بحرب أهلية. لماذا لم تتجلى تلك المسؤولية في تغطيتها للحرب الطائفية وللنزاع السياسي المستمر.؟
فوزي
أعتقد أن ذلك يعود إلى قصور في الوعي الصحفي بهذه المسؤولية. وهذه النظرية ليست معززة بالشكل المطلوب في مناهج الكليات والمعاهد الصحفية، بل ولا حتى في الدورات التدريبية التي تقوم بها بعض المؤسسات لتقوية مهارات صحافييها. إلى جانب غياب الرقابة الثقافية عن عمل المؤسسات الإعلامية التي تساهم في رصد المعلومات الخاطئة التي قد تنشرها وسلة ما.
فأغلب المؤسسات الاعلامية اليوم لا تهتم بالمبادئ الأساسية للصحافة ولا بالمنفعة العامة بقدر اهتمامها بالوصول الى أكبر قدر ممكن من القراء والمشاهدين والمستمعين. و كيف تصبح القناة الأولى من حيث عدد المتابعين، وهذا الهدف بالتاكيد يتعارض مع الهدف الحقيقي للاعلام الا وهو خدمة المصلحة العامة عن طريق نشر الحقيقة.
مثلا، قبل عشرين سنة، حينما كانت تتم تنظيم الدورات التدريبية للكوادر الإعلامية، كانت مادتي قانون الإعلام وأخلاقيات العمل الإعلامي جزءً أساسيا في مواد تلك الدورات. بينما لم تعد اليوم تلك المواد من مقررات الدورات التثقيفية لمنتسبي وسائل الإعلام. الأمر الذي ساهم في شيء من عدم اكتراث الصحفي بنشر معلومات غير دقيقة طالما لا توجد محاسبة ومتابعة رقابية عليه. وهذا شيء لا يتوافق مع أخلاقيات العمل الصحفي.

كورال
6/ هل الاعلام الكوردي يطرح بالفعل قضايا المجتمع ام انه يلهث وراء الاخبار الترفيهية او السطحية ونشر مانشيتات وعناوين مثيرة للجدل للحصول على الاعجاب وزيادة نسبة المشاهدة ؟

فوزي
/ الاعلام الكوردي منقسم الى عدة فئات منها: الاعلام الحزبي الصريح، وإعلام الظل (أي التابع بصورة غير مباشرة لحزبٍ ما)، والاعلام المستقل الذي بات تقريبا نادراً، ويعتمد بعضه على الدعم المالي الذي توفره المنظمات الدولية الداعمة لحرية الصحافة. والتوزيع ذاته يتكرر مع الاعلام العراقي. وبالتالي تتحدد الإجابة على هذا السؤال وفقا للأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام بفئاتها المختلفة.
فالإعلامين الحزبي وشبه الحزبي يحرصان على تورية الواقع، فعل أن عملها منحاز ومؤدلج مسبقا. في حين يحاول الإعلام المستقل أن يلتزم بمعايير العمل الصحفي، وبالتالي يحاول تقديم صورة مطابقة لواقع الأشياء، دون البحث عن مطلب الزيادة في عدد المتابعين.
مثلا، تم تكليفي من قبل ثلة من الصحفيين لإعداد مقترح مشروع حول دعم الصحافة الأهلية في إقليم كردستان، وعرض ذلك في البرلمان. غير أن ذلك لم يلقى الدعم، نظرا لتخوف معظم القوى السياسية الكردية من تأثير الإعلام المستقل على الواقع السياسي في الإقليم.
كورال
/ ثمة مفارقة لا تكل تتكرر في علاقة الإعلام بمصادر المعلومات وما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى أهمية هذه الأخيرة في حياتنا، إلى أنها ليست مصدر موثوقا للمعلومات. مع ذلك تلجأ بعض وسائل الإعلام والإعلاميين أيضا الى وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، التوتير والانستغرام) واعتمادها كمصدر لأخبارهم. ليظهر لاحقا بأنها لم تكن سوى شائعات وأحداث ليس لها قيمة خبرية واحيانا كثيرة اخبار مزيفة. بينما الأصل في الموضوع هو أن يكون الإعلام مصدرا للخبر وليس العكس. ما قولك في هذه الحالة.؟


فوزي
: بات نشر الاخبار الكاذبة والشائعات من المشاكل الأكثر حضورا في الإعلام والمحاكم. الأمر الذي انعكس حتى على هامش حرية التعبير. فنشر الأخبار المضللة تدفع بالحكومات إلى زيادة الرقابة على محتوى البيانات والتقييد من حرية العمل الصحفي بحجة الحد من الأخبار المضللة. كما أن ذلك يساهم في تقليل ثقة الناس بوسائل الإعلام وبحثها عن مصادر بديلة للمعلومات قد تكون أحيانا أقل موثوقية. ، بالتالي من الضرورة بمكان أن تتجنب وسائل الإعلام الاعتماد على المعلومات التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كـ (الفيسبوك، تويتر والانستغرام)، إلا في حدود ضيقة ومشروطة بالمعاينة والتحقق منها. فمن السهولة قرصة هذه الصفحات ونشر ما يريده الهاكر الترويج له.
فلقد أفضى التطور التكنولوجي إلى تسهيل عمليات التلفيق والافتراء أو تغيير الصور عبر الذكاء الاصطناعي.
كورال
ثمة مفارقة في داخل المجال الإعلامي. فمن جهة يتذمر الصحفيون من تدخلات الحكومة باسم مراقبة المحتوى وحماية المصلحة العليا للمجتمع. ومن جهة أخرى لا نعثر لدى هؤلاء الصحفيين التزاما مهنية بأخلاقيات العمل الصحفي التي تشترط النزاهة والدقة. كيف يمكن الحؤول دون البقاء في هذه الدائرة المفرغة؟
فوزي
: يمكن التقليل من تجاوزات الصحافة بعدة طرق عبر تحديد الحدود القانونية بصورة واضحة وحسب المعايير الدولية، وبما لايؤدي الى المساس بأصل حرية التعبير. اي الابتعاد عن التعابير الفضفاضة قدر الامكان. وكذلك وضع مواثيق شرف للصحفين تلزمهم بالمبادئ المهنية المفضية بالضرورة إلى النفع العام. إلى جانب ضرورة تحرير نقابة الصحفيين من الولاءات الحزبية المتحكمة بها.

كورال: كيف يساهم الإعلام في حماية السلم الأهلي.؟
فوزي:
أحيانا تظهر صعوبة في التمييز بين خطاب الكراهية وحرية التعبير. وهذه الأخيرة يجب الحرص على بقائها ليستطيع العمل الإعلامي في القيام بأدواره المتعددة. لكن يمكن العمل على تحليل قاموسي لعبارات صريحة في محتواها العنيف أو المحرض على الكراهية. ناهيك عن الجهة التي يصدر منها الخطاب، أكانت دينية أم سياسية. إلى جانب التأكيد على دقة المعلومات وتجنب تزييفها والتحقق من مصداقية مصادرها.
فللإعلام دور كبير في بناء أو هدم السلم الأهلي ، فإذا وظفناه بصورة جيدة وفقاً لمعايير العمل الاعلامي وتحت الرقابة الذاتية لتحقيق المنفعة العامة فأنه يؤدي الى ترسيخ السلم الاجتماعي، والعمس صحيح، خصوصاً في الدول التي لها باع طويل في النعرات الطائفية والحروب الداخلية. علماً أن تحديد ما يخدم أو يقوض السلم الأهلي، لا يجوز تركه بيد الإعلاميين لتحديد محتواه. بل يجب أن تكون هناك لوائح قانونية واضحة تظهر المقصود بدقة ماهية خطاب الكراهية وتداعياته
كورال:
ما هو دور وتاثير الاعلام في أرتفاع نسبة العنف في كوردستان؟ نسمع في كثير من الاحيان اتهامات للاعلام بأنها تحرض على العنف؟ كيف تفسر ذلك؟
فوزي
/ وفق للدراسات التي اجريت حول هذا الموضوع في قسمي علم الاجتماع والاعلام بجامعة السليمانية. فان للإعلام دور كبير في زيادة العنف في المجتمع. سواء كان ذلك بسبب نشر مواضيع العنف أو التبرير له والتحريض عليه. مثلاً عندما يتم يتكرر عرض مشاهد العنف في الاعلام بكثرة، يبدأ الناس في التعود عليها، وبالتالي عدم التردد في تقليدها. وعندما يعرض خطابات تحريضية لرجال الدين أو السياسة في السوشيل ميديا والاعلام ضد مكون آخر فأن ذلك يؤثر بالتأكيد على نشر العنف في المجتمع.


كورال
10/ لننتقل الى محور " قانون الصحافة وحماية الصحفيين" الى اي مدى ينظم قانون العمل الصحفي في كوردستان عمل الصحفيين، وهل يواكب هذا القانون متطلبات العمل الصحفي؟
فوزي:
قانون الصحافة في اقليم كوردستان قانون متطور نسبياً مقارنة بما هو موجود في الدول المجاورة، ولكن فيه بعض الغموض والاخطاء والنواقص ويحتاج الى تدخل تشريعي لمعالجته.
ولكن في كل مرة تطرح فكرة تعديل هذا القانون وإدخال فقرات جديدة فيه، يعارض الصحفيون المستقلون بحجة تخوفهم من قدرة الأغلبية البرلمانية، والتي هي تابعة للأحزاب الحاكمة، من التحكم في تلك التعديلات لصالحها ونحو الأسوأ.

كورال
11/ يؤكد قانون العمل الصحفي في كوردستان على الحق في الحصول على المعلومات، غير أن الصحفيين مازالوا يعانون كثيرا في الوصول إلى المعلومات. أتعتقد أن القانون يفتقر إلى فقرة تلزم المؤسسات بتوفير المعلومات؟ أم أن ذلك يتعلق بصعوبة تطبيق القانون؟

فوزي:
غالباً من نسمع من مسؤولي حكومة اقليم كوردستان بأننا وصلنا الى درجة من التطور، يمكن معها لكل الصحفيين من الوصول إلى المعلومات. وهو شيء لا مثيل له في بقية أجزاء العراق ولا في بعض دول المنطقة! لكن في الحقيقية ان هذا القانون لم يستفد منه لا المواطنين ولا الصحفيين على حد سواء. وذلك يعود إلى عدم وجود نية صادقة لدى حكومة اقليم كوردستان في تطبيق قانون حق الحصول على المعلومات الذي صدر عام 2013, حيث لم يؤسس قسم خاص في الدوائر الكبيرة ومؤسسات الدولة للاجابة على طلبات المواطنين عندما يطالبون تزويدهم بمعلومة ما. كما ولم يتم تخصيص موظفين في دوائر الدولة لهذه المهة. بل وحتى لا يتم ينشر المعلومات الاعتيادية غير السرية في المواقع الخاصة بتلك الدوائر والمؤسسات. ومبررهم لذلك هو عدم صدور تعليمات من قبل المفوضية المستقلة لحقوق الانسان ومجلس الوزراء لتسهيل تطبيق ذلك القانون. ولكن باعتقادنا ان هذا المبرر ليس في محله فالسلطة التشريعية عندما تصدر قانون يجب ان تنفذه السلطة التنفيذية، ,والا اذا كان تنفيذ اي قانون صادر من قبل البرلمان متوقف على صدور تعليمات من الحكومة انذاك يكون البرلمان تحت رحمة الحكومة.
لذلك ادعو الصحفيين و منظمات المجتمع المدني الى التعاون من اجل تفعيل ذلك القانون بما يحقق أهدافه.
من الجدير ذكره انه في نهاية الشهر الخامس من هذه السنة(2023) صدرت تعليمات جديدة من قبل وزارة الثقافة في اقليم كوردستان باسم تعليمات رقم(1) لتنظيم الاعلام، وقد نشرت في الجريدة الرسمية(وقائع كوردستان). تتضمن هذه التعليمات تجاوزات خطيرة على حرية التعبير وتراجع كبير عما كان موجودا في قانون الإعلام الذي اصدره البرلمان سنة 2013. اذ جاء فيها بانه لايجوز نشر اية وثائق حكومية في الاعلام مالم يشير في الوثيقة بانها قابلة للنشر العام. وهذا يعني ان الاصل في نشر وثائق الحكومية هي الحظر والاستثناء هو الجواز، هذا إن تم السماح بنشرها.
كورال:
13/ هناك العديد من عمليات اغتيال الصحفيين في العراق واقليم كوردستان. وبالرغم من وجود أدلة دامغة على تورط جهات بعينها، إلا أن ملفات عدة مازالت طي الكتمان في أروقة المحاكم ؟ أيعزى ذلك إلى ضعف السلطة القضائية؟ أم أن السلطة التنفيذية تتنصل من مسؤوليتها في ملاحقة الجناة؟
فوزي:
للأسف، هناك العديد من عمليات اغتيال الصحفيين في العراق واقليم كوردستان، وولم يتم تقديم إلى عدد قليل من المجرمين الحقيقين إلى القضاء. حيث يوجد قسم من الجناة يتم التغطية عليهم ويحصنون من المحاكمة، الأمر الذي أساء بشكل كبير إلى نزاهة الأجهزة الأمنية والقضاء في العراق واقليم كردستان.
نعم، يحدث في دول أخرى أيضا ان لا يتم كشف المجرم الحقيقي أحيانا. غير ان ما يحدث في العراق واقليم كردستان، هو سهولة الوصول الجناة في جرائم القتل العادية، بينما لا يتم المثل في الجرائم السياسية.
وهذا يعكس قوة وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. إذ يستحيل مع هذه الوقائع، الحديث عن قضاء مستقل في عموم العراق.
وهنا ادعو الصحفيين و ناشطي حقوق الانسان إلى الاستمرار في متابعة ملفات اغتيال الصحفيين، وتنظيم الندوات، والعمل على إجراء تحقيقات استقصائية مستقلة لكشف الجناة.