معركة السيليكون الجديدة
سالار بيري
نوعٌ جديد من المواجهة يحدث بين دولٍ كبرى، في ميادين جديدة هي اليوم ميدان الرقائق الإلكترونية أو سوق السيليكون. تتنامى هذه المواجهة بالتحديد بين قوة ناشئة هي الصين التي يتزايد طموحها الاقتصادي، مقابل قوةٍ قائمة هي الولايات المتحدة الأميركية. مما يزيد من التوتر العسكري أيضاً في المحيط الهادئ بين القوتين قياساً إلى التنافس الاقتصادي خصوصاً في سوق السيليكون.
صدرت عن الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي مجموعة جديدة من قيود التصدير على الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات التي يمكن تصديرها إلى الصين، مشددة الإجراءات التي اتخذت في العام الماضي، والتي حظرت بموجبها أي بيع مفتوح للرقائق الدقيقة المستخدمة في تصنيع أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
إنّ حجب بيع هذه الرقائق ليس معضلة اقتصادية بقدر ما هي عسكرية، فهذه القيود تهدف إلى منع أي استخدام صيني عسكري للذكاء الاصطناعي. فالتكنولوجيا المتقدمة في الحوسبة تقود دوماً إلى تطبيق الأخيرة في الأنظمة الاستخباراتية والعسكرية، خصوصاً وأنّ طموحات الصين العسكرية لم تعد تخفى على أحد.
في السنوات القليلة الماضية خطت الصين خطوات متسارعة في تعزيز قدراتها العسكرية، مما أثار حفيظة القوى العالمية، خصوصاً بما يتعلق بالمجال النووي، ومناورات الصين المتكررة في المحيطين الهندي والهادئ. ففي بحر هذا الأسبوع فقط اتهمت الفلبين خفر السواحل الصيني بالاصطدام عمداً بسفنها خلال عملية إمداد في جزء متنازع عليه في بحر الصين الجنوبي.
استدعت الفلبين وهي حليف للولايات المتحدة الأهم في جنوب شرق آسيا، السفير الصيني لتفسير هذه التصادمات في بحر الصين الجنوبي، وهو جزء بسيط من أنشطة عملياتية أخرى قام به الجيش الصيني، مستهدفاً الطائرات والسفن البحرية الأجنبية، باستخدام مناورات ليزرية بل وحتى تحليق صواريخ بالستية فوق تايوان، الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي هي قلب العالم في صناعة السيليكون.
إن تصعيد واشنطن للمعركة التكنولوجية عن طريق عزل الصين عن رقائق الذكاء الاصطناعي، يثير عاصفة جديدة عبر عنها موريس تشانغ وهو صاحب أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم قائلاً إن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين سوف تؤدي إلى تباطؤ صناعة الرقائق عالمياً. فإبطاء الصين يعني إبطاء الجميع في الوقت نفسه مما يثير القلق في مستقبل هذه السوق الواعدة.
لقد جعلت الصين إنتاج الرقائق في مقدمة خططها الاقتصادية الوطنية، وتستثمر بكل قواها في أجهزة الكومبيوتر العملاقة والذكاء الاصطناعي، وتطوير قدرات تصميم الشرائح. وحاولت واشنطن بقوة عرقلة وصول الصين إلى هذه التكنولوجيا، ففي اكتوبر الماضي كانت هنالك حزمة أخرى من قيود التصدير المشددة، منعت بها الشركات بيع معدات تصنيع الرقائق وبرامج التكنولوجيا الأميركية إلى الصين، كما منعت المواطنين الأميركيين من دعم تطوير الشرائح في مصانع صينية معينة، وكانت ضربة كبيرة للصين التي اعتادت على استيراد الأجهزة والخبرات المغذية لصناعة الشرائح الناشئة.
عودةً إلى قلق تشانغ حول تباطؤ صناعة الرقائق، يتحدث العالم عن مواجهةٍ أكثر خطورة قد تحدث مع تزايد طموحات الصين عسكرياً، خاصة في مناوراتها حول تايوان، فالتأثير العالمي للطموح الصيني التوسعي يحدث في وقت ينشغل فيه العالم بتحديات جيوسياسية متعددة، فالتطورات في الشرق الأوسط وأوكرانيا يمكن أن تشجع الصين على اتخاذ خطوات خطرة في المحيط الهادئ. وإعادة تشكيل النظام الدولي يكون ثمنه عالياً، بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعرض لها العالم بعد كورونا والحرب الأوكرانية.