حوار مع الكاتب المعارض جان دوندار حول حرية التعبير والقضية الكردية في تركيا

حوار مع الكاتب المعارض جان دوندار حول حرية التعبير والقضية الكردية في تركيا

كورال نوري

تمهيد
شكلت سنة 2016 نقطة تحول فارقة في الطبيعة الذرائعية للخطاب السياسي التركي، وكذلك بالنسبة للمسار الراديكالي الذي اخذته قيادة حزب العدالة والتنمية نهجا. وبات كل معارض للحزب الحاكم متهما بشتى أنواع الذرائع، في مقدمتها شماعة الانتماء إلى الكيان السياسي لحزب العمال الكردستاني أو إلى جماعة رجل الدين فتح الله كولن. ليغدو انتقاد سياسة رئيس الجمهورية مسّا بذاته الرئاسية، والتي يمكن أن تضع صاحب النقد سنوات في السجن. ضمن سياق عدلي بات مشوبا بعدم الاستقلالية إثر التسريح القسري الذي قام به أردوغان ضد جميع الفئات التي عارضته في مؤسسات الدولة، بدءا بالقضاء وصولا إلى مؤسستي الجيش والتعليم.
ضمن هذه المعطيات، أصبحت حرية التعبير بمثابة الجناية السياسية. ففقد الصحفيين والكتاب مساحتهم الإعلامية للتعبير عن آرائهم المخالفة لسياسات الحزب الحاكم، وذلك بعد أن عمد هذا الأخير إلى إحراء تعديل دستوري سنة 2017، ركز بموجبه معظم الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية ارودغان. وظهرت إثر ذلك مجموعة من التقارير الدولية التي وصفت تركيا بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم. بعد أن إضطرت معظم وسائل الإعلام ـ 95% وفقا للمعارضين ـ للخضوع لهيمنة الحكومة التركية. الأمر الذي أكد عليه تقرير مؤشر حرية الصحافة لمعهد رويترز للدراسات الصحفية في جامعة أوكسفورد الذي أظهر بأن حرية الصحافة في تركيا قد شهد تقهقرا كبيرا بين عامي 2002 و2018، وضعها في المرتبة 157 من اصل 181 دولة شملها تقرير حرية الصحافة في العالم.
وربما أكثر من يمثل مشكلة حرية التعبير في تركيا، هو جان دوندار الرئيس السابق لأقدم صحيفة تركية واكثرها انتشارا. كونه نشر سنة 2015 مجموعة من الوثائق الرسمية ومقاطع الفيديو الموثقة لقيام المخابرات التركية بتسليح تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) في سوريا. وقد تبين لاحقا، بأن تجارة السلاح المربحة مع داعش، كانت على صلة وثيقة مع رئيس الجمهورية أردوغان.
جان دوندار (62 عاما). هو صحفي ومخرج أفلام وثائقية. بعد نشره للوثائق الآنفة، اتهم من قبل القضاء التركي بـ " إهانة رئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة والشعب التركي". أفرج عنه بكفالة بعد ثلاثة أشهر، وتعرض لمحاولة اغتيال داخل المحكمة، هرب على إثرها إلى ألمانيا سنة 2016، حيث يقيم تحت حماية مشددة. وقد حُكم عليه غيابا بـ 27 عاما.
لتسليط الضوء على هذه التفاصيل وغيرها، قمنا بالتواصل معه وأجرينا معه لقاءا صحفيا مسجلا باللغة الانجليزية
اللقاء الصحفي

س/ تعرضت حرية الصحافة في تركيا إلى انتكاسة كبيرة بعد أحداث " منتزه غازي " في اسطنبول سنة2013. حيث أظهر تقرير للأمنستي الدولية 2017، بأن الإعلام التركي بات تدريجيا خاضعا لسلطة واحدة بعد إغلاق 180 وسلة إعلامية وخسارة 2500 إعلامي لوظيفتهم. ناهيك عن التصفية التي شملت الجهاز القضائي والكثير من ضباط الجيش الرافضين لسياسات حزب العدالة والتنمية بخصوص التدخل في الحرب السورية. ومع التعديل الدستوري 2017، بات أردوغان أول رئيس بعد أتاتورك يحكم تركيا لفترة طويلة. وأفضت تلك التعديلات إلى تحكم السلطة التنفيذية بالسلطتين القضائية والتشريعية. فهل يمكننا القول بأن تركيا دخلت مرحلة الزعيم المستبد.؟

في الحقيقية ، لا ليس بعد. فما زال هناك الكثير من المعارضين في تركيا. لذلك أتجنب القول بأنها باتت دولة دكتاتورية، غير أنها تمضي نحو شكل الحكم السلطاني، وربما يرغب الحزب الحاكم في بسط نطاق سلطنته على العالم الإسلامي. لقد شاهدنا في الانتخابات الأخيرة أن نصف المقترعين قد صوتوا ضد الحزب الحاكم، وهذا مؤشر صريح على وجود مقاومة كبيرة ضده وأن هذه المقاومة سوف تضع له حدا في النهاية.
أما بخصوص الإعلام في تركيا. وبحكم خبرتي المهنية الممتدة لـ 44 سنة، أخبرك بأن الإعلام التركي لم يكن يوما ديمقراطيا، ولم نشعر أبدا بحرية التعبير على مدى العقود المنصرمة. لذلك لم يتغير بالنسبة لنا الشيء الكثير مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم. لكن بات الضغط علينا أكبر. يجب أن نعرف بأن تركيا لم تكن يوما جنة للصحفيين، لكنها في المقابل لم تكن جحيما أيضا كما هو عليه الحال اليوم. إننا نمر بأوضاع صعبة جدا، ولسوء الحظ ، أدت الضغوطات الكبيرة على الإعلام إلى إذعان وسائل إعلامية كثيرة لسيطرة حكومة العدالة والتنمية. رغم ذلك، ظلت هناك بعض القنوات الشجاعة والصحفيين الجسورين الحريصين على نقل الحقائق والمعلومات إلى الناس بحيادية، ويناضلون في ظروف قاسية جدا لأجل الحفاظ على هامش حرية التعبير، وذلك رغم معرفتهم بالمخاطر المترتبة على ذلك. وهناك العديد من الصحفيين ما زالوا يقبعون في السجن، وآخرين يعملون انطلاقا من المنفى.
نعم أقر بأن العمل الصحفي المستقل في تركيا بات يشكل تحديا للسلطة، و هو عمل محفوف بالمخاطر. يتعرض العديد من زملائنا للاعتداءات، ويُزج بهم في السجون لأبسط الأسباب. لذلك يتوجب علينا، نحن المقيمين خارج تركيا، أن نقوم بدور أكبر و نحاول الوصول إلى الناس في الداخل عبر الوسائط الإعلامية المتوفرة في ألمانيا.

س/ أتوجد في تركيا منظمات او نقابات مستقلة مدافعة عن الصحفيين ؟

نعم هناك العديد من المبادرات، منها: مراسلون بلا حدود، امنستي انترناشنال، واتحاد الصحفيين وغيرها. كلها منظمات عالمية مستقلة تناضل من اجل حقوق الصحفيين والدفاع عنهم ، بالإضافة إلى نشاط العديد من منظمات المجتمع المدني، وهذه المبادرات هي التي تجعلني متفائلا بخصوص مستقبل تركيا.

س/ يبدو اليوم أن المشهد السياسي برمته في تركيا قائم على الخطاب العنصري. خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ظهر البرنامج الانتخابي للمرشحين الرئاسيين كأنه سباق للكراهية. حتى أن أول جملة قالها أردوغان فور إعلان فوزه، بأنه انتصر على الداعمين لجبل قنديل. كيف يمكن الحديث عن نظام ديموقراطي في بلد لا ينتج سوى خطابا قوميا متطرفا.؟

سأقول مرة أخرى بأنه مع الأسف ليس أردوغان وحده من ينشر الكراهية داخل تركيا. فعلى مدار المئة عام الأخيرة، شاهدنا العديد من حركات التطرق القومي، بل والعنصري في تركيا. مع ذلك، يمكن القول بأن واقع اليوم أفضل من العقود السابقة. فإذا أردنا أن نجري مقارنة سريعة. نجد اليوم أن المقاومة السياسية الكردية قوية ومنظمة جيدا، ولديها تمثيل كبير في البرلمان .

س/ لكن في المقابل يتعرضون للقمع من قبل اردوغان بسبب انتمائهم القومي، سواء بالقتل أو السجن أوبالتهجير ؟

ألا تعتقدين أن الوضع كان هكذا خلال فترة الثلاثينيات والاربعينيات والخمسينيات وصولا إلى الثمانينات من القرن الماضي، يمعنى أن المشكلة هي ذاتها ولم تتغير. مثلا خلال سنوات الحكم العسكري في تركيا بين 1960 إلى بداية التسعينيات، قام الجيش بهدم القرى الكردية وارتكب الكثير من عمليات التعذيب بحق الكرد في مدينة ديار بكر/ آمد. وقاموا بتفجير مقر جريدة كردية في اسطنبول. أنا أنحدر من هذا التاريخ. لذلك أقول بأن الحالة السياسية العامة لم تتغير في تركيا. لكن وصول أردوغان إلى الحكم كزعيم متعصب قومي ومتسلط ساهم في زيادة القمع ضد الكورد. في المقابل كان أردوغان هو نفسه من بادر قبل أكثر من عقد من الزمن إلى إجراء مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني.

س/ ذلك صحيح، أجرى التفاوض مع حزب العمال الكردستاني التي انتهت بالفشل لقيامه باعتقال القيادات السياسية الكردية واعتقال ممثلي الكرد في البرلمان التركي، والصحفيين والنشطاء المدنيين. فما زال صلاح الدين دمرتاش قابعا في السجن، ومازالت القرى الكردية تتعرض لعمليات الاعتقال التعسفي والتهجير.

نعم تم الزج بصلاح الدين ديمرتاش في السجن. لكن البحث عن حل سياسي للقضية الكردية في تركيا استغرق خمسة عقود. أعرف أن ذلك صعب مثلما هو معقد في أي مكان آخر في العالم ، انظري الى كولومبيا . اقصد أن هذا صراع عميق وتمتد جذوره لعقود طويلة، لذلك ليس سهلا الخروج بحل . غير أن تلك المفاوضات كانت المحاولة السياسية الأولى في تاريخ تركيا ، للمرة الاولى في تاريخها تجري الاستخبارات التركية (ميت) مفاوضات مباشرة مع قادة العمال الكوردستاني. كان ذلك مشروعا كبيرا، لكنهم في المقابل اعتقلوا صلاح الدين دميرتاش. الأمر لم ينتهي ولن ينتهي عند هذه النقطة، فالنضال الكوردي مستمر رغم وجدو دميرتاش وقادة آخرين في السجن. وكلما تكاتفت جهودنا للنضال ضد الاستبداد السلطاني لحكم أردوغان، سوف لن يكون بمقدور هذا الأخير السيطرة على تركيا.
أنا لست متشائما. فمن السهل الركون للسلبية والقول بأن الأوضاع تمضي من حال سيء إلى أسوء. أنا متفائل ويجب أن نعمل على حماية تركيا من الإستبداد عبر النضال من أجل الديموقراطية فيها.

س/ منذ محاولة الإنقلاب 2016، تعددت التقارير الدولية عن تحول الدولة التركية إلى سجَّان الصحفيين في العالم. وعندما يكون الصحفي كرديا، تكون تهمته جاهزة مسبقا، أي الإتهام بالإنتماء إلى منظمة إرهابية. وبالتالي تصبح عملية الدفاع عن هؤلاء الصحفيين بمثابة التورط في جريمة. كيف يمكن للإعلام أن يؤثر أو يعدل في السياسيات القمعية للسلطة التركية، في ظل دولة منقسمة إلى مؤسسات ظاهرة وأخرى عميقة متحكمة.؟

تم اتهامي أيضا بانتمائي إلى منظمة إرهابية ، وذلك بالرغم من كوني لست كورديا. هناك قائمة طويلة للفئات التي تصفها السلطة التركية بـ" الإرهابيين" ضمنهم الكورد واليسار التركي والعلويين وكذلك جماعة الداعية فتح الله غولن. لكنني أتفق معك بأن تكون صحفيا وتعمل في المناطق الكردية، فالوضع أسوأ بكثير.

س/ ألا تعتقد ان الصحفي الكوردي يتعرض للاضطهاد بسبب قوميته وليس عمله ؟

في الحقيقة لا اعرف، ليس لدي إحصائية دقيقة حول هوية الصحفين الكورد المعتقلين. أعرف أن هناك حاليا ما بين الـ 15-19 صحفيا معتقلا في السجون التركية. غير أنني لا أعرف كم صحفي منهم من القومية الكردية. لدي معلومات عن اعتقال 150 صحفيا قبل خمس سنوات، ولا اعرف ماذا حل بهم. غير أن العمل كصحفي في المناطق الكوردية مع وجود هذه السلطة القمعية، يكون عملا غاية في الخطورة. لذلك أنا على تواصل مع زملائي من الصحفيين الكورد وننسق العمل معا سواء في القنوات التلفزيونية أو الإذاعة .
ومن الجدير ذكره، أن عدد الصحفيين المعتقلين خلال السنوات الخمس الماضية قد انخفض في تركيا، لكن ليس لأن هناك هامش ديموقراطي أو نظرا لتحسن ظروف العمل الصحفي في تركيا. بل كنتيجة طبيعية لزيادة القمع والمراقبة. حيث أدت كثرة المحظورات إلى ممارسة الصحفي شكل من أشكال الرقابة الذاتية على نفسه اثناء كتابته أو إعداده لتقرير أو مقالة ما، وذلك تجنبا للمخاطرة بحريته. لقد أدى القمع إلى تحجيم النقد. فلم يعد الصحفي يتناول بكثرة المواضيع التي قد تفضي به إلى السجن أو إلى المنفى. ولهذا السبب لم تعد المعلومات الحقيقة متاحة للناس، وهنا يأتي دورنا في تزويد الناس بالوقائع الضرورية لتشكيل رؤيتهم السياسية.

س/ كيف تلقيت خبر الإفراج عن الشخص الذي أطلق عليك النار أمام القصر العدلي خلال فترة الاستراحة لجلسة محاكمتك. حيث أفرج عنه بعد أسبوعين فقط من اعتقاله. في الوقت الذي تعرضت فيه للاعتقال ولمحاكمة غير دستورية. فقط لكونك كنت حينها رئيسا لتحرير جريدة جمهوريت،
وتم اعتقالك بسبب فيديو التسليح للتنظيمات الإرهابية في سوريا.أتعتقد بأن هذه المفارقة تعكس تسيسا للقضاء في تركيا.؟

بدون شك هو قضاء مسيس. إنه شكل من أشكال نظام الحزب الواحد. تكون كل المؤسسات تابعة له. من الشرطة ، الجيش، المخابرات، القضاء ، كل المؤسسات خاضعة لسلطة الحزب، لا توجد سلطة قضائية مستقلة. فالقضاة ينتظرون توقيع أروغان ليفرجوا عن شخص ما أو يعتقلوا شخص آخر. لذلك لم يعد هناك من يثق بالنظام القضائي في تركيا . قبل خمس سنوات كان الوضع تقريبا مختلف، لكن لسوء الحظ، امتدت سلطة أردوغان لتشمل النظام القضائي أيضا، وهذا شيء في منتهى الخطورة. فكيف يمكنك ان تدافع عن نفسك دون وجود نظام قضائي مستقل في البلد؟ .

س/ وماذا عن منظمات المجتمع المدني ، هل فقدت هي أيضا قوتها؟

نعم لقد باتت كيانات ضعيفة. يتوجب على منظمات المجتمع المدني أن تكون أكثر ديناميكية. غير أن المشكلة اليوم، أن الخروج في مظاهرات تنتهي بوضع آلاف النشطاء في السجن، ولا أحد يعرف متى وكيف سوف يخرج منه. فالشرطة تعمل لصالح الحزب الحاكم، والنظام القضائي غير مستقل. والناس باتت تدرك هذه الحقيقة، لذلك يتجنبون الخروج في مظاهرات ضمن هذه الظروف. يجب أن تتكاتف الأحزاب القوية مع منظمات المجتمع المدني لحماية الناس، وإلا فلن يثمر كثير العمل المنفرد.

س/ لماذا يتم اتهامك أحيانا بان مشكلتك مع رجب طيب أردوغان شخصية، خاصة في قضية نشر مقطع قيديو يظهر تهريب الاسلحة من قبل الميت التركي للجماعات الارهابية في سوريا. بالإضافة إلى الإدعاء بأنه خلال فترة ترأسك لجريدة جمهوريت، كان الكثير من الصحفيين العاملين معك تابعين للمعارض فتح الله كولن ؟

انها قصة معقدة نوعا ما، وأنا لا أعتبرها قضية شخصية. لكن لدى اردوغان حساسية من أي شيء يمس المخابرات التركية(ميت). القصة التي نشرتها كانت عن تزويد الحكومة التركية للجماعات الإرهابية في سوريا بالسلاح. كان ذلك سرا شخصيا بالنسبة لأردوغان.
كان أردوغان يشرف على تنظيم تلك التجارة. والأمر الأكثر احتمالا أنه كان يجني منها الكثير من المال. لقد نشرنا مقطع الفيديو وكذلك الأدلة والوثائق المتعلقة بذلك. وهي أمور قد تجره إلى محكمة الجنايات الدولية، لان ما قام به يعتبر جريمة دولية. لذلك جنّ جنونه. ولأن أي شخص يتعرض لموضوع المخابرات التركية يزجونه في السجن. وهناك العديد من الصحفيين المعتقلين نظرا لعملهم على تقارير متعلقة بنشاطات المخابرات التركية. وهؤلاء ليس فقط صحفيين كورد بل بينهم آخرين ايضا.
أما علاقة ما تقدم بفتح الله غولن. فكما تعلمين، كان أردوغان وغولن في خندق واحد لسنوات. ثم حدثت القطيعة بينهما. لقد قام أردوغان بحملات قمع ضد الكورد وضد اليسار التركي وضد الديموقراطية في تركيا. ومن ثم وجهوا لبعضهما البعض إتهامات متبادلة. فيما كنا نحن ضدهما دائما. وكعادة أردوغان، اعتبر أن ما قمنا به في جريدة جمهوريت عبر نشرنا لفيديو التسليح والوثائق المسربة، أنها عملية منظمة من قبل تيار فتح الله غولن. واتهمني شخصيا بأنني من أتباع غولن. هذا شيء يدعو للسخرية طبعا. لكن هذه هي كل القصة.

س/ قال كل من اسماعيل بيشكجي في إحدة مقابلاته الصحفية وكذلك الروائية إسلي أردوغان Aslı Erdoğan بأن الكراهية كانت جزء من العملية التربوية في تركيا، سواء في المدرسة عبر الأناشيد العنصرية أو في البيت. وقد طالب الكاتب المعتقل أحمد آلتان بإعادة بناء الثقافة السياسية في تركيا لأجل الخروج من دائرة الكراهية … غير أننا نلاحظ تفشيا للشعبوية في تركيا. فهل تعقد بأن الثقافة والإعلام المستقل في تركيا، يمكنهما المقاومة وإنتاج بدائل سياسية للخروج بتركيا من دوامة العنف التاريخي المتراكم.؟

نعم. وذلك على الرغم من أن تركيا اليوم يحكمها رجل واحد وحزب واحد. ويرغب أردوغان بأن يكون سلطانا في البلاد. و لأجل ذلك عمل على سحق جميع الأحزاب الأخرى. فهل نتركه يفعل ما يشاء. من وجهة نظري لا طبعا. لكن ليس أردوغان وحده من يفكر بهذه الطريقة. لقد تأسست الجمهورية التركية على أيديولوجية قومية متعصبة. منذ مئة سنة وضع دستور يمجد القومية التركية ويرفض الكورد الخ.
إنا نتحدث عن مشكلة معلقة منذ مئة عام. فإذا نص الدستور على أن الشعب في تركيا هم الأتراك وحدهم ولا حضور للكورد فيها، سيعمل النظام التعليمي على تكريس هذه القناعة. ووالأمر ذاته ينطبق على الثقافة الشعبية. فإن قلت لأحدهم أن الكورد شركاء في هذا البلد، سيأتيك الرد على غرار الحكومة بكلا نحن جميعنا أتراك. هذه مشكلة معقدة، ولا تقتصر على النظام التعليمي وحده أو على الثقافة والنظام السياسي، بل كلها مجتمعة. لذلك نحن بحاجة الى ثورة ثقافية تشرح بدقة أن الذين يعيشون في تركيا هم مجموعات أهلية مختلفة .
وعبر تثوير المقولات الثقافية والتعليمية يمكننا أن نعيد بناء هذا البلد على أسس سليمة. رغم أن واقع الأمر يخبرنا بصعوبة ذلك.
لكنني أتذكر عملي الصحفي في الثمانينات من القرن المنصرم. كان مستحيلا أن تقول بأنك كردي أو تتكلم بلغتك الأم في تركيا أو أن تستمع لأغان كوردية. فيما اليوم، توجد بلديات كردية، وأحزاب كردية ممثلة في البرلمان. فإذا أجرينا مقارنة مع الثمانينات سنجد بأن الأوضاع اليوم باتت أفضل مقارنة بما سبق.
بعد أن تنتهي مرحلة حكم أردوغان، سيفهم الناس في تركيا بأن التنوع الثقافي هو مصدر قوة وليست نقطة ضعفه. ونشكر الله على وجود الكورد والعلوين والأرمن واليهود المؤسسين للتنوع الثقافي في هذا البلد. وهم محل فخر بالنسبة لي. والحل من وجهة نظري، هو أن نؤسس هذا البلد بالشراكة مع الكورد في ظل نظام ديموقراطي. هو ذا برأيي الحل الوحيد.

س/ هل لديك الامل بان يحدث ذلك يوما ما؟
نعم، ولم لا؟ التغيير قادم وهو ليس ببعيد ، سوف نراه يتحقق قريبا. بدون الأمل لن نستطيع ان نعيش، غير أن الأمل لا يهبط من السماء ليغير كل شيء. علينا أن نناضل لأجل ذلك. هذه هي مسؤوليتنا.