النسوية في شمال شرق سوريا.. حراك حقيقي أم ظاهرة شكلية

النسوية في شمال شرق سوريا.. حراك حقيقي أم ظاهرة شكلية
العمل الفني للفنان Malva

إيفا شيخ موسى
تمهيد:
تنحصر البداية العلمية والتاريخية للدراسات النسوية حول مفهوم الجندر/ النوع الاجتماعي بالمؤسسات الأوروبية والأمريكية، والتي أتت كحصيلة طبيعة لنضال المرأة في تلك المجتمعات لمعادلة مكانتها في المجال العام بما حققته من حقوق في النطاق القانوني. وهي بالتالي تعكس في عمومها تجربتها الخاصة في سياق كل ما يؤسس خصوصية العلاقة بين الجنسين في تلك المجتمعات. وككل مفهوم آخر، تشكل الجندرة أيضا تنوعا في تطبيقاتها المختلفة باختلاف الثقافة الاجتماعية التي تحتضنها. ناهيك عن دور وتأثير النظام الديمغرافي والاقتصادي على فرز أنماط اجتماعية خاصة من العلاقة بين الجنسين، قد تكون معقولة في مكان دون غيره. مثلا تختلف التقسيمات التاريخية بين فرنسا وأمريكا حول تحديد الفرق بين مفهوم الجيل الثاني والثالث للحركة النسوية. أي التحول الذي حدث في المجتمعين خلال سنة 1960 و1980. أو كما ظهر مؤخرا بين التصورات الغربية حول النسوية، وبين التصور الآسيوي للحركات النسوية.
مع الوقت، تحول تركيز النسوية من المطالبة بالحقوق الأساسية للنساء في العمل والمنزل، لتشمل مسائل أعمق مثل التمييز الهيكلي بين الجنسين في المجتمع وتحقيق المساواة الكاملة بينهما. أفضت إلى سجالات شديدة حول حق التصويت، والمساواة في الرواتب وحق التعليم، وتمثلت عبرها النسوية كشيء أكثر من مجرد بعض المطالب، بل وإنما كتصوّر اجتماعي متكامل.
يتقدم ما قيل أعلاه, قدرة الثقافة المحلية على فلترة الأفكار وفرزها بين المقبول وغير المناسب, لتبدأ عملية التبادل بين التجربة الاجتماعية وبين الأفكار الجديدة القادمة من مجتمعات مختلفة، تصل عبر عدة حوامل، ضمنها النظام الثقافي المعاصر حيث الأفكار عابرة للقيود الرقابية المحلية. أو كما حدث في شمال شرق سوريا، عبر الدعامة الحزبية لبعض القوى السياسية الكردية، وكذلك من خلال المنظمات الدولية التي وصلت إلى المنطقة في إطار عمل إغاثي وتنموي . حملت ضمن مشاريعها فكرة العدالة الجندرية كإحدى تجليات حقوق الإنسان في جميع المجتمعات المعاصرة.
كانت هذه الأفكار شبه مقننة في سوريا قبل 2011, باعتبار أن نظام البعث كان مصدرا عقائديا وحيدا لكل شيء، بما فيه نظام الكوتا، الذي قد يكون مناسبا أحيانا لإدخال المرأة في البرلمان _ على شكليته _ أو في الوظائف العامة وغيرها، حتى لو كانت الكوتا غير مقترنة بالجدارة، لكنها قد تفضي إلى تعديلات هيكلية ضرورية لتسهيل عملية التنمية والعدالة الجندرية في بيئة العمل.
ناهيك عن وجود حركات تم التعتيم عليها لأغراض سياسية مثل حركة القبيسيات التي تحولت إلى النشاط العلني بعد الحراك الشعبي 2011, بالإضافة إلى حركة نسوية متواضعة التأثير داخل الأحزاب الكردية الموجودة في سوريا بشكل عام, وذلك بخلاف حالة المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، المعروف بفكرة الإدارة المشتركة للجنسين.
تسعى معظم الحركات النسوية إلى تحقيق العدالة الجندرية من خلال العمل على إعادة التفكير قانونيا في عملية سن القوانين بما يضمن تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين. وسياسيا، عبر تعزيز ودعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية واتخاذ القرارات، واقتصاديا، بمنع التفاوت في الأجور على أساس الجنس، وتحسين بيئة العمل بما يتوافق واحتياجات النساء، وصولا إلى المساواة الاقتصادية. يسبق ذلك العمل اجتماعيا وثقافيا على دحض التصورات المسيئة اجتماعيا لصورة المرأة، ودعم التوجهات الثقافية في الفن والأدب وغيرها من الوسائط الثقافية القادرة على تعزيز الوعي الجندري في المجتمع. والوصول بالعلاقات الإنسانية إلى التوازن المأمول لتحقيق هذه العدالة. فهل تجسدت هذه المبادئ في عمل الحركات النسوية المتواجدة في شمال شرق سوريا؟ وهل تتوفر لدى الناشطات والناشطين المعرفة الكافية لتجاوز مستوى الشعارات إلى مستوى التأصيل الثقافي للمفهوم في الحراك الاجتماعي.؟ هذا ما يحاول هذا التقرير الإجابة عليه.

الحركة النسوية في شمال شرق سوريا

تمتاز الحركة النسوية في شمال شرق سوريا بخصائص مميزة ومتقدمة مقارنة بواقع الحركة في بقية أجزاء سوريا على أقل تقدير. ورغم القمع المضاعف لجميع مجالات الحياة في إقليم الجزيرة قبل 2011، إلا أن الحركة النسوية قد ظهرت تنظيميا ولو بشكل غير علني، في بداية 2005 مع تأسيس مؤتمر ستار المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. ومن ثم ظهرت "جمعية المرأة الكردية" بقيادة ميديا محمود, سنة 2006 في القامشلي, و كذلك جمعية النساء الكرديات السوريات، التي اضطرت للإغلاق بسبب المضايقات الأمنية في 2011.
تم تأسيس العديد من الاتحادات النسائية في شمال شرق سوريا بعد الاحتجاجات الشعبية 2011. منها: منظمة الاتحاد النسائي الكردي في سوريا عام 2012, لكن ما أن اشتد عود المنظمة حتى بدأت حملة الانشقاقات داخل صفوفها, وهذه الانشقاقات لم تكن إلا حالة فوضى مطلقة و انتماءات حزبية وأجندات خاصة من قبل منتسبات المنظمة نفسها, بالإضافة للمضايقات الأمنية. تلى ذلك تأسيس العديد من المؤسسات والمنظمات, استطاعت أن تحافظ على ديمومتها, كلجنة الدفاع عن النساء المعنفات و نساء شمس و منظمة جيان لحقوق الإنسان, شبكة الصحفيات السوريات, النساء الآن والعديد من الأسماء الأخرى.
أما سياسيا، فقد أفضت التحولات السياسية في المنطقة، كان تأسيس حزب المستقبل بقيادة السياسية الشابة هفرين خلف (1984/2019). التي أدخلت إلى الحياة السياسية والمجتمعية في شمال شرق سوريا، خطابا سياسيا مؤسسا على التعددية السياسية والثقافية واللغوية. وهو خطاب مغاير بطبيعته للتصورات السياسية النمطية في المنطقة، حيث الأدلجة تتقدم على كل فعل سياسي. غير أن هفرين ، لم تجد الفرصة الكافية لتحقيق ما رغبت به. كونها تعرضت للاغتيال والتشويه على يد فصيل "أحرار الشرقية" التابع لما يسمى بالجيش الوطني السوري سنة 2019.
ومع تأسيس الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا 2014، وتبنيها لفكرة المناصفة الإدارية بين الجنسين، حيث يتشارك تقريبا جميع المناصب الأساسية رجل وإمرأة إدارتها. ناهيك عن تأسيس هيئة المرأة التي تعتبر جهة رسمية معنية بقضايا المرأة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية بالإضافة للعسكرية, وهي جزء من المجلس التنفيذي لإقليم الإدارة الذاتية الديمقراطية, وفي سنة 2019 تم تأسيس مجلس المرأة, الذي يتشكل من ناشطات من المجتمع المدني، وممثلات عن أحزاب سياسية مختلفة.
وإلى جانب انفتاح المنظمات الإغاثية الـ NGO على العمل المدني في مجال العدالة الاجتماعية، بات موضوع النسوية تقريبا الشغل الشاغل لمؤسسات اعلامية ومدنية كثيرة، بما فيها صفحات التواصل الاجتماعي. إلى حد يمكن القول أن موضوع النسوية بات سببا لاستمرار بعض المنظمات, و تحولت عبارة النسوية إلى ما يشبه الشعار أو الموضة ، يعكف بعض الناشطين/ات على استخدامها لتعريف أنفسهم بها كالقول بأنه ناشط/ة نسوي مثلا, ،و باتت عبارة النسوية على كل لسان، الجاهل والمتعلم، وتقريبا الغالبية يجهل ما هي هذه الحركة, خصوصيتها الثقافية والمجتمعية والتاريخية,غير آبهين في معظم الأحوال بالمعنى الحقيقي للمفاهيم المستخدمة وعلاقتها بتجربتهم الاجتماعية، ومدى ضرورتها لإحداث تحولات إيجابية وملحة للانتقال بالمجتمع من حال إلى آخر
لمتابعة القراءة يرجى فتح الرابط أدناه


 Download