ما هي الشمولية
إعداد المحرر
ما هي الشمولية...؟
شكل متطرف من الدكتاتورية يتميز في المقام الأول بطموحه إلى السيطرة على جميع جوانب السلوك الفردي والاجتماعي، مع أنَّ السمات الأخرى، مثل الهندسة الاجتماعية واسعة النطاق وجداول الأعمال الطوباوية، والسياسات الجماهيرية المنظّمة حول حزب واحد، والإرهاب المنظَّم، وعبادة الشخصية، تلعب دوراً مهماً في بعض الحالات. وتتميّز الشمولية، في هذه الجوانب، عن معظم أشكال الطغيان والدكتاتورية والاستبداد الأسبق، تلك الأشكال التي تُعنَى باحتكار السلطة السياسية لكن سيطرتها نادراً ما تشمل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية. ولقد كانت المعاني الباكرة لهذا المصطلح أوسع بعض الشيء، حيث كان ينطبق في عشرينيات القرن العشرين على عدد من الأنظمة اليمينية، بما فيها إيطاليا الفاشية. غير أنَّ ألمانيا النازية (1933 – 1945) قدّمت الطبعة الأكثر دواماً بين طبعات الشمولية، تلك الطبعة التي امتدت لاحقاً لتضمّ الستالينية في الاتحاد السوفيتي (1929- 1956) وعدداً من الأنظمة الشيوعية الأخرى (انظر كوريا الشمالية).
والشمولية هي ظاهرة خاصة بالقرن العشرين، تتّسم بعلاقة قوية بالتكنولوجيا الحديثة، خاصةً في ميدان الاتصالات. فالأنظمة الشمولية كانت من بين أول الأنظمة التي أدركت واستغلّت قوة الإعلام الجماهيري، مثل المذياع والسينما. كما أفادت أيضاً من ضروب التجديد في التنظيم البيروقراطي بغية تسيير المجتمع وإدارته ودعم قوات البوليس السري المُستَخْدَمة في إرهاب المعارضين الفعليين والمحتملين. وكان اكتمال مثل هذه الأجهزة موضوعاً أساسياً في الجدالات الباكرة حول الشمولية. وكانت التحليلات الرائدة التي أجرتها مدرسة فرانكفورت لألمانيا النازية قد وضعت مصطلحات قَدْرٍ كبير من هذا البحث، حيث درست الجانب النفسي في السلطوية (انظر ثيودور أدورنو) والتنظيم الإرهابي للسلطة السياسية (فرانز نيومان). وقد نظر كثير من المعلّقين إلى التكنولوجيات الجديدة الخاصة بالسيطرة الاجتماعية كضمانات لدوام مثل هذه الأنظمة (انظر جورج أورويل، على سبيل المثال)؛ ورأى كثيرون أن الهجوم على جميع أشكال الروابط الاجتماعية خارج الدولة يؤدي إلى ذات إنسانية امتثالية وطيّعة في جوهرها. وكانت حنّة آرندت، في تحليلها الشهير، الشمولية (1951)، قد طوّرت وانتقدت هذا التقليد عبر تقديم اختزال السياسة المنهجي وتحويلها إلى اهتمامات مادية على أنه يمثّل تدميراً جوهرياً للقدرة على إعادة إنتاج الحياة الاجتماعية. أما زيغمونت باومان، في كتابه الحداثة والهولوكوست (1991)، فقد ألحّ على ضروب الصلة بين أفكار "الهندسة الاجتماعية" في الفكر الاجتماعي الحديث والأشكال المتطرفة التي أخذتها هذه الأفكار في ألمانيا النازية.
غير أن الأبحاث الأميركية زمن الحرب الباردة – خاصةً أبحاث زبيغنيو بريجنسكي وكارل فريدريش وجين كيركباتريك – حوّلت النقاش من ألمانيا النازية إلى الاتحاد السوفيتي. وقد تناول كثير من هذه الأعمال مسألة استقرار الأنظمة الشمولية ومعارضتها المطلقة للديمقراطية الغربية. ونجد لدى كيركباتريك بوجهٍ خاص تمييزاً خلافياً بين الأنظمة الشمولية والأنظمة السلطوية، وهو تمييز يلحّ على تصلّب وقمع الأنظمة الأولى، ويبرّر ضمناً دعم أميركا للأنظمة الثانية، عندما يكون ذلك ضرورياً. لكن هذه النظرة المصمتة راحت تتغير في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، خاصةً بين باحثي الاتحاد السوفيتي. فقد بدأ هؤلاء يتساءلون عمّا إذا كانت السيطرة الكاملة ممكنة قطّ، أو قابلة للتحقق، فالأبحاث المعاصرة التي تناولت السياسات السوفيتية لفتت الانتباه إلى التنافس بين مراكز داخلية متعددة في السلطة، مثل القطاعات الاقتصادية، والحكومات المناطقية، والجيش، وإلى الفصل الواسع بين أفعال الامتثال العامة والحياة الخاصة. ولا يزال البحث في هذا الموضوع - بما في ذلك الاهتمام المتواصل بديناميات الحكم النازي – يثير قدراً من الجدال والخلاف في علميّ التاريخ والسياسة.