مديونية دولٍ نووية على شفا الانهيار الاقتصادي
جوانا محمود
أحد أهم القضايا التي أثيرت ساعة تفكك الاتحاد السوفييتي في العام 1991، كان مصير الأسلحة النووية الذي نظمه بروتوكول لشبونة في العام ذاته، اتفق فيه ممثلو كلٍّ من روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان، على تدمير السلاح النووي أو تحويله إلى السيطرة الروسية. رغم تأخر تطبيق هذا البروتوكول بعد تمنّع جزئي من أوكرانيا حتى العام 1996، إلا أنّ وضع السلاح النووي في أيدي دولة قوية واحدة، كان ذا إجماع دولي لا خلاف عليه.
انضمت الدول النووية فيما بعد إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لتحدّ من خطورة استخدامها، ولتتبادل الخبرات حول الاستخدام السلمي مع الدول المنضمة حديثاً إلى المعاهدة. إلا أن العديد من الدول رفضت الانضمام إلى هذه المعاهدة، فماذا عن الدول التي رفضت الانضمام؟
في العام 1978تمكّن العلماء الباكستانيون من تشغيل أجهزة الطرد المركزي بنجاح، لتمتلك باكستان قنبلتها النووية الأولى. استنكرت العديد من الدول حصول دولة منخفضة الدخل على سلاح نووي، خصوصاً بعد فقدها للتو جناحها الشرقي أي بنغلاديش، وصدرت المخاوف حول قدرة هذا البلد على التعامل مع هذه التكنولوجيا المتطورة.
تثار هذه المخاوف ثانيةً اليوم، وباكستان على شفا انهيار اقتصادي وشيك، فالدولة التي خرجت لتوها من فيضانات أغرقت ما يقرب من ثلث الأراضي الباكستانية العام الماضي، وأدّت إلى نزوح الملايين عن بيوتهم، تواجه اليوم ثنائياً ضاغطاً يضاف إلى البيئة العاتية، أولهما هو ضغط الديون، وثانيهما الإرهاب، وهو العقدة الأخطر في حال انهارت دولة نووية فقيرة، فاحتمالات وقوع الأسلحة النووية في أيدي الإرهابيين قائمٌ بل وخطير.
مع بدء الحرب الأوكرانية والتي تلت عاصفة الكورونا التي أطاحت بالكثير من الاقتصادات، لاحت في الأفق بوادر تخلف عن سداد الديون السيادية، لتتوقف دولٌ عدة مثل موزامبيق والإكوادور ولبنان وسريلانكا وسورينام وبليز وروسيا وأوكرانيا وزامبيا عن سداد دينها، أو أقلّه إعادة هيكلة هذه الديون.
على هامش اجتماع مجموعة العشرين مؤخراً في مدينة بنغالور الهندية، أشارت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، إلى وجود عقبات في إعادة هيكلة ديون بعض الاقتصادات المتعثرة، مثل مصر وإثيوبيا وطاجكستان وباكستان. لتدفع باكستان إلى إعادة هيكلة ديونها كما حصل في سريلانكا، ويوفر برنامج الإطار المشترك لمجموعة العشرين أرضيةً لتخفيف عبء الديون للبلدان الأفقر مثل باكستان.
تعود أصول الانهيار المتوالي في باكستان إلى عهد عمران خان فبعد رعاية برنامج صندوق النقدي بشكل منضبط، توجهت حكومة عمران إلى الإجراءات الشعبوية، عندما قامت بدعم قطاع النفط لتأخذ ديوناً إضافية على عاتقها دون زيادة للضرائب، ومع ضربة المناخ إثر الفيضانات ومن ثمّ إعلان تحريك طالبان باكستان الحرب ضد الدولة، بدأت الديون تتفاقم، مما دعا شهباز شريف يناشد الشركاء في الصين والولايات المتحدة ودول الخليج للمساعدة في التهرب من الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي.
لم تلتزم بكين كما يجب بشريكتها على طريق الحرير الجديد، فالصين تمتلك 30 بالمئة من ديون باكستان الخارجية والتي تبلغ 100 مليار دولار. لم توفر الصين أي تمديد للديون أو أي تمويل إضافي كافٍ لتخفيف عبء الدين الباكستاني، إنما قدمت قرضاً بقيمة 700 مليون دولار لإعادة التمويل، منكرة بذلك إنها وضعت باكستان في خضم مشاريع باهظة الأثمان ومثقلة بالديون من الصين.
ثقل الديون وضعف تحصيل الضرائب، وانخفاض الإنتاج إلى حدوده الدنيا، وارتفاع ضريبة محاربة الإرهاب، ومغامرات الجيش الباكستاني، كل هذا وضع باكستان في مواجهة انهيار اقتصادي وشيك بسبب استنفاد احتياطي النقد الأجنبي، وتعطل سبل الاستيراد بشكل كلي وكامل. كل هذا يضع العالم أمام شبح سؤال خطر: ما هو مصير السلاح النووي لدى انهيار دولة ضعيفة اقتصادياً مثل باكستان؟ وفي أيّة أيدٍ سوف يقع حال انهيارها؟