الذهب السيد القديم الجديد
لوران ابراهيم
تتسارع عمليات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، وفق ما أفاد تجار المعادن النفيسة في لندن. فقد اشترت البنوك 400 طناً مترياً من الذهب في الربع الثالث من هذا العام وهي أكبر كمية في ربع واحد منذ العام 1967 كما زادت البنوك التجارية والمستثمرون المؤسسون من حيازاتهم من الذهب.
الذهب ليس استثمارا ينتج عائدا بل هو بوليصة تأمين ضد انخفاض أو انهيار العملات, ولهذا يخشى مشترو الذهب أن يتجمد النظام المالي الحالي وأن يتبع ذلك إعادة ضبط نقدية ويتوقعون حلول الذهب محل الدولار كمعيار لإعادة التعيين فالعالم كله في حالة عدم تعيين. لذلك نجد تهافت دول كبرى مثل الصين على شراء الذهب لتوسيع احتياطات بنوكها، ليزيد هذا الاحتياطي بحوالي 102 طناً خلال العام الجديد.
إنّ شراء الصين المتسارع للذهب ليس تعزيزاً ضد احتمال انهيارات السوق، بقدر ما هو عاملٌ يهيئ اقتصاد الصين ضد أية عقوبات اقتصادية قد تفرض عليها من الخارج كما حصل مع روسيا، وبالتالي تعرض احتياطاتها من العملة الأجنبية وثرواتها الخارجية للمصادرة.
في الوقت نفسه، تصطف الكثير من الدول أمام هاوية الانهيار الاقتصادي، ليس أولها سيرلانكا ولن يكون آخرها باكستان المرشحة بقوة للسقوط في هوة العجز المالي التام, فعجز هذه الدول على الوفاء بديونها بعد كوارث مثل الكورونا والفيضانات الهائلة التي أودت بجزء واسع من البنية التحتية للبلاد، جعلها تعجز عن تأمين العملة الصعبة للواردات الضرورية للصناعة.
بينما تستمر باقي الدول في كنز الذهب، الضمانة الأهم لتعيين الوضع الاقتصادي لأية دولة في حال حدوث أية تغييرات جذرية في النظام العالمي كما هو الخوف اليوم. والذي بدأت خطوات تغيره المحتملة تتضح مالياً، فصندوق النقد الدولي يقف عاجزاً أمام الدول الدائنة والمدينة على حدّ سواء، بينما تقوم دولٌ مليئة مالياً اليوم بدعم بعض الدول لدى صندوق النقد الدولي كما تفعل السعودية اليوم مع باكستان.
صرحت وزيرة الدولة بوزارة المالية الباكستانية مؤخراً، إن السعودية قدمت إلى صندوق النقد الدولي تعهداً بدعم باكستان مالياً، بمبلغ يصل إلى ملياري دولار وهو أحد الشروط الأخيرة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي تشتد حاجة إسلام آباد إليه لتجنب التخلف عن سداد ديون متراكمة.
لا شكّ أن التحرك السعودي أتى متأخراً، والتردد السعودي في دعم الحلفاء بات يوضع في ميزان الضرورة المحضة، فالسعودية تحاول الحدّ من المدفوعات والالتفات إلى مشاريع استثمار داخلية، خاصة بعد الاتفاق مع إيران، ولملمة الوضع في حرب اليمن. هذه النظرة الجديدة قد تغير من النظام المالي العالمي وتضع صندوق النقد الدولي في وضع أكثر صعوبة على المدى الطويل، ففكرة دعم الحلفاء الضعفاء والغارقين في مشاكل داخلية بدأت بالانحسار في زمن السوق، ليعود الذهب والذهب وحده، السيد القديم الجديد في العالم. حتى تتضح ملامح المرحلة القادمة.