حرب العملات ...ثورة ضد النظام المالي القديم

حرب العملات ...ثورة ضد النظام المالي القديم

لوران ابراهيم

يعيش العالم في هذه المرحلة من تاريخ أزمته الاقتصادية، نوعاً جديداً من المواجهة، يتمثل في قياس قوة العملات، وتنويع استخدامها، بل وأنّ حرباً خفياً بدأت تستعر بين الدول، على خلفية الأزمات التي تسببت بها العقوبات الأمريكية، خصوصاً بعد الحرب الأوكرانية الروسية. وتدور هذه الحرب حول السبيل الأمثل للتداول اقتصادياً، ويعكس هذا نوعاً من الثورة ضد النظام المالي القديم، المتمثل في استخدام الدولار عملةً عالميةً وحَّدتْ حتى أمدٍ طويل، عمليات التبادل التجاري في العالم.
كان الالتفاف على العقوبات الأميركية ضد دول كبرى، أولى خطوات هذه الثورة على نظام بريتون وودز المالي، فالدول التي تعرضت لهذه العقوبات، تحتل مساحة واسعة جيوسياسياً واقتصادياً، على طول خريطة التبادلات التجارية، وبدء تشكل أقطاب جديدة، جاء على أساس هذه الاصطفافات، بتمرير صفقات بيع للحلفاء والأصدقاء، والتبادل بالعملات المحلية بين بلدين، كما هو الحال بين التبادل النفطي مع الصين، فكون روسيا من أكبر مصدري النفط، كان لا بد للصين وهي المستهلك الأول في العالم للنفط، أن تجد طرقاً للحصول على هذا النفط بالتبادل بين اليوان والروبل.
أما السبيل الآخر لتصريف المنتجات، فكان منح قروض وتسهيلات للدول الفقيرة، كما حصل بين روسيا وباكستان، فالأخيرة تستعد لتفريغ أول طلبية نفط لها في أيار الجاري، لتقوم باكستان فيما بعد بتكرير النفط في مصافيها الخاصة بتكاليف إضافية من ثلاثة إلى خمسة دولارات للبرميل، والنية معقودة على الوصول إلى مئة ألف برميل يومياً، أي بما يوازي ثلثي إجمالي مشتريات النفط لإسلام آباد. يشكّل هذا سابقةً في تحدي الولايات المتحدة بشراء نفط من روسيا أعلى من ستين دولاراً للبرميل، وهو السعر الذي فرضته مجموعة السبع كجزء من العقوبات المفروضة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا.
يقع مكمن الخطورة، في إيقاع دول عالية المديونية، وعلى شفا الانهيار الاقتصادي، مثل باكستان، في فخ القروض وشراء ما لا يلزم، فروسيا تبيع الفيول المستخدم في محطات الطاقة، أكثر من الديزل المستخدم في النقل، في حين يشكل الديزل 39% من استهلاك النفط في البلاد، وبذلك تحصل على 15% من الفيول غير الضروري في مرحلة حرجة من تاريخها الاقتصادي.
أعلن الرئيس الروسي، أن دول البريكس تعمل على تطوير عملة احتياطي جديدة على أساس سلة عملات الدول الأعضاء فيها، فيما قال لافروف ، إن المسألة ستناقش في قمة جنوب إفريقيا في نهاية آب 2023.
إنّ التبادل العيني أو بالعملات الوطنية يبقى محدود التحقق، وأية ثورة ضد الدولار تحتاج إلى عملة موحدة أكثر ثباتاً، وهذا أملٌ شديد التعقيد، فعملات أعضاء اتحاد البريكس غير مستقرة، مما يثير الشك في إمكانية الاعتماد على عملة واحدة. كان السيناريو الأرجح، هو تعيين اليوان عملةً تجارية موحدة للبريكس، لكن العقبات تجسدت في طموحات الهند وروسيا، ورغبة كل طرف في فرض عملته في عالم شديد التباين اليوم.
ستبقى الدول المعادية للمعسكر الغربي، تحاول بكل إمكاناتها تغطية مناطق نفوذها الجيوسياسي، بعملاتها الوطنية، سواء عن طريق منح القروض كما تفعل الصين، لتساهم في زيادة إفقار الدول المدينة جراء الفوائد العالية المطبقة، أو عن طريق المساعدات العينية المقدمة، أو عن طريق فرض أسعار منافسة. ليبقى الدولار حتى ذلك الوقت على عرش قوته إلى حين.