الصفر متر نووياً
ريوان صبري
في حين يتهم الشرق الأوسط بأنه بؤرة توتر دائمة، ينتظر منها العالم تفجّر أيّ اشتباك بين إيران وإسرائيل وكلتاهما دولتان نوويتان. يغيب عن أنظار الجميع ما يغلي في شبه القارة الهندية من مؤثرات قد تغير مجرى الصراعات الدولية.
في خطاب له بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لبدء التجارب النووية الباكستانية، أعلن الفريق خالد كيدواي استراتيجية نووية جديدة في باكستان، تعتمد على ما أسماه بالردع "كامل الطيف"، أي تغطية نووية ثلاثية برية وجوية وبحرية، وركز مهندس برنامج الطاقة النووية في باكستان، على أن السلاح النووي هو الضامن النهائي لأمن البلاد. تحدث الفريق أيضاً في نقطة فارقة هذه المرة عن تطوير أسلحة نووية قصيرة المدى، لتوضع في الخطوط الأمامية من ألغام أرضية نووية أو مدفعية نووية.
من هنا جاء اصطلاح صفر متر، فهذه أول مرة تطور فيها أسلحة نووية قصيرة المدى بهذا الكمّ الكبير، فالنطاق الذي تغطيه هذه الأسلحة يتراوح بين الصفر متر و2750 كيلومتراً، بهذا يتضح أنّ المستهدف الرئيسي هو الهند ذات الحدود الشاسعة مع باكستان، بل ويحمل تطميناً ضمنياً بأن الأسلحة النووية بعيدة المدى ليست ضمن نطاق التطوير، بما يخفف أيّ انتقاد من الدول الغربية لمشاريع باكستان المستمرة.
لقد كان الخطاب صريحاً في شرح استراتيجية الردع كامل الطيف، كونها ذات بعدين أفقي وعمودي، أمّا الأفقي فمعناه توفير ردع بري جوي بحري عبر مخزون قوي من أسلحة نووية متنوعة. أما العمودي فيغطي المستويات الاستراتيجية والتكتيكية للمؤثرات القريبة. كل هذا يوفر لباكستان درعاً استراتيجياً يقوي كفة باكستان مقابل الهند.
حذر بايدن في بداية ولايته من باكستان كدولة نووية نامية، في إشارة تختلف عن باقي رؤساء أميركا الذين طالما ركزوا على إيران قائلاً: "قد تكون باكستان من أخطر دول العالم، كونها دولةً تمتلك السلاح النووي وتفتك بها الانقسامات»
وتحققت إشارته هذه، بعد أن بدأ عدم الاستقرار يتضح بشدة إثر خلافات عمران خان مع السلطة القائمة حالياً، والذي قد يؤدي في وقت ما إلى حرب أهلية محتملة. فالانقسامات الحزبية هائلة في دولة تقع تحت نير ديون كبيرة، فوفق البنك الدولي فإن البلدان الناشئة أو النامية التي لها أعلى ديون هي الأرجنتين (114,8 مليار دولار) وباكستان (94,7 مليار دولار) وأنغولا (46,7 مليار دولار) وأوكرانيا (44,6 مليار دولار) والإكوادور (38,7 مليار دولار).
وعندما تحتل دولة نووية المركز الثاني في قائمة الديون هذا يشير إلى خطر هائل، يضاف إليه خطر الجماعات الجهادية التي تتوجه اليوم من أفغانستان نحو باكستان نفسها التي رعتها طوال الحرب الأفغانية وقدمت لها الدعم المادي واللوجستي لسنوات طويلة. وتعتبر حركة تحريك طالبان باكستان أخطرها، خاصة أنها تقوم بتفجيرات مستمرة على طول البلاد. وهذا وضع حرج لأن أي انهيار اقتصادي أو أمني للدولة يجعل السلاح النووي يقع في إيدي الجهاديين.
لقد صرح أحد المسؤولين في أميريكا أن على باكستان وقف إنتاج الأسلحة النووية التكتيكية، والمحتملة الوقوع بسهولة في أيدي الإرهابيين، بالإضافة إلى وقف تطوير الصواريخ بعيدة المدى، والتوقيع على معاهدة منع اختبار الأسلحة النووية. لقد التزمت باكستان بالشرطين الأخيرين، لكنها استمرت في تهديد جارتها الهند.
في الوقت ذاته التي بدأت فيه تشتبك لفظياً وأحياناً على أرض الواقع مع السلطات الأفغانية فقد صرح وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف في تغريدة له على "تويتر"، إن أفغانستان لا تقوم بما يتناسب مع دولة صديقة مجاورة، ومقابل ما فعلناه مع أفغانستان من إيواء للاجئين، تؤوي كابول المسلحين الذين يريقون دماء الباكستانيين. وذلك بعد التفجيرات الأخيرة التي أودت بجنود باكستانيين.
على المجتمع الدولي أن يحذر من الدول النامية غير المستقرة والممتلكة لسلاح نووي، والتي تجاور مناطق ترتفع فيها نسبة الجهاديين، فمن منا ينسى ما نشره تنظيم الدولة الإسلامية في أوج قوته في مجلة "دابق" الناطقة بالإنجليزية أن الأخير يتوسع بسرعة كبيرة، وأن بإمكانه شراء أول سلاح نووي في غضون عام. إن عدم قدرة دولة نامية مختلة اقتصادياً على حفظ أمنها سوف تكون نتيجته وصول المتطرفين إلى هذه المنشآت الخطرة. عندها لن يفيد التغاضي عن نظرية الصفر متر، فكل الأسلحة النووية هي صفر متر.