الحل في سوريا هو الليبرالية الديموقراطية

الحل في سوريا هو الليبرالية الديموقراطية

ديميتري بريجيع

باتت الأزمة السورية أكثر تعقيدا منذ تداخلها بأجندة الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع السوري. فمنذ بداية الثورة السورية، سعت أطراق إقليمية عديدة إلى استمالت الكيانات المعارضة لنظام الأسد، ضمنهم المجلس الوطني السوري وما تطور إليه في صيغة الائتلاف الوطني لقوى المعارضة. وقد تكلل ذلك بتكليف هذا الكيان الجديد بمهام سياسية وإدارية لتأسيس مؤسسات وتنظيم عملها في المناطق التي دخلت تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة. غير أن هذه المعارضة فشلت في جميع المهام التي وكلت لها، بداية بسبب الفساد والاختلاسات المالية الكثيرة، وثانيا لأن اكبر هموم الائتلاف السوري هو إدامة الحرب وليس إيقافها. لأن وقفها سيفضي إلى إيقاف الدعم المالي الذي أغدقتها الدول المانحة على المؤسسات والجمعيات التي أسسها اشخاص في الائتلاف، أولئك المرفهين في تركيا واوربا، والكثير منهم اغتنوا واشتروا بيوتا فارهة، وفرتها لهم أموال الحرب السورية.
مثلا، أصدر الائتلاف السوري عدد كبير من جوازات السفر التي كان الغرض منها تسهيل سفر السوريين غير القادرين على تجديد جوازاتهم لدى مؤسسات النظام. ليتبين سريعا بأنها جوازات غير معترف بها ولا تصلح للاستخدام. بل حتى أن رئيس الائتلاف هادي البحرة قد لجأ إلى السفارة السورية التابعة للنظام في جنيف لتجديد جواز سفره سنة 2021. وقد استلم الائتلاف أموال كثيرة من هذه القضية، لكنه فشل على جميع المستويات في أن يكون بديلا للنظام السوري. ، ولم يستطيع العمل بطريقة دبلوماسية صحيحة مع الدول المختلفة الداعمة لها. فقد ظل تيار الإخوان المسلمين مهيمنا على هيكلية الائتلاف، مع وجود بعض الأشخاص من اليسار والاشتراكيين، ولكن أيضا أعضاء سابقين في النظام السوري. ليخسر بذلك ما لديه من اوراق عمل سياسيا ودبلوماسيا.
علما أن أغلبية الشعب السوري في مناطق المعارضة لا تدعم الائتلاف، وقد تجلى ذلك في طريقة استقبال الناس لوفود الائتلاف بالتظاهر ضدهم وأحيانا رشقهم بالحجارة أحيانا. ضمن هذه المعطيات، لن يكون للائتلاف كهيئة تدعي المعارضة، دور ما في تغيير الأوضاع في سوريا على المدى المنظور.
فقد بات الائتلاف مقرا لحركة الإخوان المسلمين وبعض اليساريين والاشتراكيين. ولم يخرج منهم أي تيار ليبرالي ديموقراطي، قادر ومؤهل سياسيا للتواصل مع الاتحاد الأوربي. وربما لخذلان السوريين من هذه الهيئة، لجأ الكثير من الشباب السوري إلى بعض المنظمات الإسلامية المسلحة، المندرجة في قائمة الإرهاب الدولية.
بناءً عليه، تشكل الليبرالية الديموقراطية أفضل السبل للخروج بحل للأزمة السورية. كونها توفر مساحة كافية لتعميم الوعي السياسي وتكريس التعددية السياسية في سوريا. وبمكن لهذا التوجه أن يربط بين السوريين داخل وخارج سوريا. فلدى الجيل السوري الجديد مشكلة واضحة في فهم الاختلاف بين الأحزاب السياسية، وليست لديه خيارات سياسية كثيرة، ولم يجد من بين الأحزاب القائمة، أي حزب يمكنه الانضمام إليه ليتطور عبره سياسيا. إن سوريا بالفعل في حاجة إلى ثقافة سياسية ديموقراطية تدخل الجهاز الثقافي للأجيال الجديدة، وتحفزهم على ضرورة احترام الرأي الآخر وقبول الاختلاف الثقافي. وذلك لأن الفكر البعثي بعد أن أخذ طابعا إسلاميا، منتشر بشكل كبير بين السوريين، وهذا الأمر يعيق تقدمهم سياسيا، ويعطل قدرتهم على تأسيس أحزاب ديموقراطية تكون بديلا لنظام بشار الأسد.
يتضمن التاريخ السوري على تجارب عدة لأحزاب ديموقراطية ليبرالية، غير أنها اختفت لضعف قيادتها وعدم التزامهم بالنضال السياسي، ربما استسلامهم بسرعة لآلة القمع. ومن ضمن هذه الأحزاب نذكر:
ـ حزب الإصلاح:
أسسه فريد الغادري في الولايات المتحدة عام 2001. وقد أعلن مؤسسه صراحة بتلقيه ضمنيا للدعم من قبل العديد من المنظمات ورجال السياسة في الإدارة الأمريكية، ولا يحظى هذا الحزب بالكثير من الشعبية في الداخل، خصوصًا بعد زيارة مؤسسه إلى إسرائيل عام 2007.

ـ تجمع الوطنيين الأحرار:
أعلن عن تأسيسه منقبل عدد من الصناعيين والتجار في مدينة حلب، بعد تلقيهم وعودا بالإصلاح، أطلقها النظام في المؤتمر القطري العاشر العام 2005، حيث طالبوا باستعادة دور البرجوازية في الاقتصاد والسياسة، وكان من مؤسسيه سمير نشار، ونادر جركس وآخرون.

ـ التجمع الليبرالي في سوريا:
الذي أسسه كل من نبيل فياض، وجهاد نصرة، ثم أعلنا حله بعد اعتقال فياض لمدة أسبوعين عام 2004.
ـ حزب النهضة الوطني الديمقراطي:
الذي أسسه عبد العزيز دحام المسلط في الولايات المتحدة، وهو يؤمن بضرورة الاستفادة من الفكر الليبرالي الغربي وما يسميها بالقيم التاريخية الأصيلة للحضارة السورية.
غير أن هذه الأحزاب اختفت تمامًا عن المشهد السياسي في سوريا.
إن سوريا في حاجة ماسة إلى تجديد الفكر السياسي وتطعيمه بالفكر الليبرالي الديموقراطي، بالتوازي مع الأفكار المدنية وأسس التعايش المتوفرة في الحضارة المدنية السورية القديمة. وتأسيس مشروع منفتح على الاتحاد الأوربي. ويجب أن تصل هذه الأفكار إلى الشعب السوري عبر مختلف الوسائط. لأنه بدون ذلك، سيبقى الاستبداد قائما في أي نظام يأتي حتى بعد رحيل بشار الأسد.