سوريا: الإمارة الشاملة في طور التشكل

سوريا: الإمارة الشاملة في طور التشكل

ترجمة: آسو دراسات.
المصدر والعنوان باللغة الفرنسية La Tribune
« Syrie : l'Emirat "inclusif" semble déjà en marche »

رأي: إن استيلاء أحمد الشرع على السلطة يُنذر بمرحلة انتقالية لا تبدو مواتية للاستقرار والسلام. فخلف خطاب معتدل، تستمر المجازر وأعمال العنف. بقلم أنتوني طراد، المتخصص في الجيوسياسة لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، وسباستيان بوسوا، مدير المعهد الجيوسياسي الأوروبي (IGE) ومؤلف كتاب «دونالد ترامب: العودة إلى المستقبل»

إن المجازر التي ارتُكبت ضد أكثر من 1000 مدني علوي على يد قوات الأمن وحلفائها الأسبوع الماضي في المنطقة التي تُعتبر معقلًا لعائلة الأسد، تُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن النظام الجديد هو كل شيء عدا كونه ما كان الغرب يأمل أن يراه يظهر في بلد متحرر من الديكتاتور السابق.
للأسف، الرئيس الجديد، أحمد الشرع، الذي قُدِّم على الساحة الدولية مع كثير من التوددات الدبلوماسية، قد لا يكون قد تخلّى تمامًا عن الأيديولوجية الجهادية (وهذا ليس مفاجئًا على الإطلاق) أو عن رغبته في تأسيس دولة تعكس قيم وتنظيم هيئة تحرير الشام (HTS)، وهو فصيل جهادي نشأ عن تنظيم القاعدة.
لقد وقع الأوروبيون، على ما يبدو، في فخ رجل يظهر، رغم لحيته، مرتديًا البدلة وربطة العنق، وقد بدأ بالفعل عمليات "أمنية" (تصفية حسابات) ضد جزء من الطائفة العلوية، التي كانت توفر كوادر النظام السابق. فماذا عن الآخرين، مثل الأكراد، في حين أن الشرع كان قد وعد بدولة جديدة "شاملة"؟
إن نهاية نصف قرن من الديكتاتورية الوحشية لعائلة الأسد تشكل لحظة تفكير، بل وراحة لبعض السوريين. ومع ذلك، بينما تدخل سوريا مرحلة انتقالية غير مؤكدة، تتضح صورة أكثر قتامة: سقوط ديكتاتور لم يكن سوى مقدمة لصعود محمد الجولاني، القائد الجهادي السابق والتابع السابق لتنظيم القاعدة،
الذي يسعى في الواقع إلى ترسيخ سلطته في خضم الفوضى عبر هيئة تحرير الشام.
بعد ثلاثة أشهر من السذاجة والطمع، حان الوقت لعدم خداع أنفسنا: هذا التغيير القاتم ليس تقدمًا، بل هو مجرد استبدال الطاعون بالكوليرا. وكما حذر لافونتين في إحدى قصصه: "قد يغيّر الذئب فروه، لكنه لا يغيّر طبيعته"، فإن غريزة الطغيان لا تزال قائمة، فقط باتت متخفية في أشكال أخرى.

رهان محفوف بالمخاطر: خيار الغرب لصالح الجولاني

في تسرّعهم لدعم نهاية حكم الأسد منذ ديسمبر 2024، يبدو أن القوى الغربية ترتكب خطأً فادحًا: الاستمرار في وضع ثقتهم في جهادي سابق، ذو ماضٍ دموي. فـ الجولاني، الذي يُعرف الآن باسم أحمد حسين الشرع، يُقدَّم على أنه "أهون الشرّين" مقارنةً ببشار الأسد.
لكن تسليم مستقبل سوريا إلى شخصية اشتهرت سابقًا بتنفيذ إعدامات وحشية هو مفارقة قاسية وخطيرة في آنٍ واحد.
إن هذا الدعم الغربي يُعيد إلى الأذهان الخطأ الاستراتيجي الكارثي في ثمانينيات القرن الماضي، عندما قامت القوى الغربية بتسليح المجاهدين المتطرفين، بمن فيهم أسامة بن لادن، لمواجهة النفوذ السوفيتي في أفغانستان. وقد أدت تلك السياسة إلى عقود من الإرهاب،
وأسفرت في النهاية عن صعود تنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر.
اليوم، ومع الضربات الإسرائيلية والتركية والأمريكية التي قضت بشكل ممنهج على بنية النظام السوري وأطاحت بفصائل متمردة أخرى، فُتح الطريق أمام الجولاني. هذه الرؤية قصيرة النظر، التي استبعدت خصومه، تعمل على إضفاء الشرعية على قوة متطرفة أخرى تحت ستار الواقعية السياسية،
مما يُكرس دوامة الطغيان والتمرد التي تعاني منها سوريا منذ عقود.
العاقبة الأكثر إثارة للقلق لهذا الرهان تكمن في إمكانية إنشاء ما قضى الغرب سنوات في محاربته: دولة فعلية لتنظيم داعش وخلفائه الأيديولوجيين.
قد يرتدي الجولاني بدلة ويتحدث عن الاعتدال، لكن لا ينبغي نسيان أن فصائله المسلحة لا تزال مخترقة من قبل متشددين مرتبطين بعمق بالشبكات المتطرفة. إن الإفراج الأخير عن أكثر من 20,000 سجين من مخيمات الاحتجاز السورية—وقد تم إطلاق سراح الكثير منهم على يد قوات هيئة تحرير الشام—
لا يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع.
وبعد أن انفصلوا عن عائلاتهم التي فرت أو اعتقدت أنهم ماتوا، يجد هؤلاء الرجال أنفسهم في واقع يغلب عليه اليأس والتمزق الاجتماعي. ومن خلال تنظيم إطلاق سراحهم، تفرض هيئة تحرير الشام نفسها بشكل استراتيجي كمنقذ لهم، ما يربطهم بها عاطفيًا وأيديولوجيًا.
إن مثل هذا الولاء يخلق بيئة خصبة لتجنيد الجهاديين، مما يوفر للهيئة تدفقًا مستمرًا من المقاتلين. ومع وجود أرض، قضية، ومجندين محبطين، تمتلك الهيئة جميع مقومات قاعدة جديدة للتطرف—مصنع إرهاب جاهز لزعزعة استقرار سوريا وما بعدها.

خطر زعزعة الاستقرار على نطاق عالمي

تتجاوز تداعيات هذا الرهان حدود سوريا بكثير. فالتاريخ يُظهر أن المقاتلين المتطرفين في مناطق الصراع لا يبقون محصورين داخلها. بل إن الكثير منهم سينتهي به الأمر إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا والعالم.
وجود مقاتلين فرنسيين ضمن صفوف هيئة تحرير الشام هو تذكير مقلق بالخطر الوشيك. فمن خلال تمكين الجولاني، يزرع الغرب دون قصد بذور تمردات مستقبلية، ويفتح الباب أمام موجة جديدة من الإرهاب قد تعبر الحدود وتعيد إشعال عدم الاستقرار إلى ما هو أبعد من ساحات المعارك السورية.
ما مصير الأكراد؟
من بين العديد من القضايا، تظل هناك مشكلة داخلية محورية: ما هو المصير القادم للأكراد؟ وذلك في وقت تدعم فيه تركيا بشكل كبير الرئاسة السورية الجديدة، وقد أبدت اعتراضًا سريعًا على نية أحمد الشرع إنشاء مجتمع "شامل".
في الواقع، يجد الأكراد أنفسهم أمام مستقبل غامض تمامًا مثل العلويين والعديد من الأقليات الأخرى غير المتوافقة مع الإسلام السياسي بعد سقوط بشار الأسد.
فمن ناحية، قامت الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (DAANES) برفع العلم السوري الجديد في روج آفا، في خطوة رمزية للوحدة والأمل في الحكومة قيد التشكيل في دمشق.
ومن ناحية أخرى، تدور منذ ثلاثة أشهر معارك عنيفة بين الجيش الوطني السوري (ANS)، المدعوم من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية (FDS)، التي يقودها الأكراد، حيث تم إبعاد الأكراد عن مدينة منبج، شمال البلاد.
يبدو أن موجة جديدة من العنف تلوح في الأفق، مع حشد عسكري تركي متزايد على الحدود، مما ينذر بغزو محتمل لكوباني، ذات الغالبية الكردية.
تتماشى هذه الهجمة مع تصريح وزير الدفاع التركي يشار غولر، الذي أكد أن تفكيك القوات الكردية يمثل "الأولوية المطلقة لأنقرة في سوريا".
وكما يشير فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، تبدو تركيا اليوم الفائزة الكبرى جيوسياسيًا في النزاع، فيما يبدو الأكراد الخاسرين الأوائل، سواء من حيث الاستقلال الذاتي أو الأمن.

الدور الأمريكي والموقف الغامض لترامب
منذ ذلك الحين، تحاول الولايات المتحدة التخفيف من التوترات بين تركيا والأكراد، لا سيما بسبب الدور المحوري لقوات سوريا الديمقراطية في مكافحة تنظيم داعش وغيره من الجماعات الجهادية.
ورغم أن واشنطن تحتفظ بنحو 900 جندي في المنطقة، فإن إدارة ترامب الجديدة تبدو مستعدة لسحبهم بالكامل في إطار نهج أوسع من فك الارتباط.
في عام 2019، كان ترامب قد أعطى أردوغان الضوء الأخضر لمهاجمة المواقع الكردية في سوريا.
ومع ذلك، فإن تصريحاته تظل متناقضة: فمن جهة، أعلن رغبته في سحب القوات الأمريكية، لكنه في الوقت نفسه تفاخر بأنه ترك بعض القوات هناك "لأخذ النفط".

فرصة نادرة لسوريا الجديدة
إن سوريا الجديدة التي تظهر بعد سقوط نظام الأسد تمتلك اليوم فرصة تاريخية: وهي استلهام تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية (DAANES) لبناء مجتمع أكثر مساواة وشمولية.
فباعتبارها أكثر الدول العربية علمانية، وبفضل تنوعها العرقي والديني اللافت، سيكون خطأً فادحًا فرض أيديولوجية أو دين واحد، ناهيك عن الإسلام الراديكالي.
يجب أن تقوم التحولات الديمقراطية في سوريا على التعددية. والتحدي الآن يكمن في اغتنام هذه الفرصة التي أُتيحت أخيرًا لمستقبل البلاد، وهي فرصة نادرة في تاريخ اتسم لعقود باليأس والاستبداد.
لكن هذا المنعطف المصيري يتطلب أكثر من مجرد نقل السلطة إلى جهادي معاد تصميمه مثل الجولاني.
لا يمكن أن يُترك مستقبل سوريا في يد استبداد جديد يرتدي قناع الاعتدال الزائف.
ومع ذلك، فإن المجازر التي ارتكبت الأسبوع الماضي تنذر بمؤشرات سيئة للغاية. ولم نرغب في رؤية ذلك قادمًا.
يعد تشكيل حكومة شاملة، وحماية الحريات الدينية، وقطع الصلة نهائيًا بدوائر التطرف أمرًا ضروريًا.
لدى سوريا أخيرًا فرصة لطي صفحة عقود من الدمار.
لكن نجاح هذه المرحلة الانتقالية يعتمد على إرادة جماعية وقيادة واعية قادرة على تحويل هذه الفرصة إلى نقطة تحول تاريخية حقيقية—نقطة تحول تضمن للشعب السوري الاستقرار والكرامة التي طال انتظارها.